يحكى أن أماً زوجت ابنها الوحيد لشابة جميلة من أصل طيب ،ولكن علاقة العروس بحماتها لم تكن على ما يرام منذ اللحظة الأولى لدخول العروس بيت الزوجية ،وكانت الخلافات تنشب بينهما لأتفه الأسباب.
ولدى عودة الابن من عمله تشكو له أمه سوء معاملة زوجته لها ،وعدم اهتمامها واكتراثها بها ،فيما تقوم زوجته بالسلوك نفسه ،فتشكو له سوء معاملة أمه ،وإهانتها المستمرة لها بالفعل و بالكلام ،فيما يجد الشاب نفسه مستاء ويحتار ماذا يفعل ،حتى أنه كره العودة إلى المنزل ،وصار يمضي معظم وقته في العمل أو الخروج مع الأصدقاء.
وذات يوم جاءت صديقة الكنة المقربة لزيارتها ،وكعادة النساء جلستا تتبادلان أطراف الحديث وتتهامسان وتتضاحكان ،وعندما سمعت الحماة ضحكاتهما ،شعرت بأنهما تسخران منها ،وذلك لأن سوء الظن مستحكم في العلاقة بينهما ،فخرجت إليهما ووبخت زوجة ابنها وطردت ضيفتها ،وعندما اعترضت الزوجة على سلوك حماتها تعرضت للإهانة والضرب منها.
وعندما عاد الابن في المساء بدأت الأم تشكو له سوء سلوك زوجته معها ،ولما دخل غرفته وجد زوجته باكية وعلى وجهها آثار الضرب الذي تعرضت له من أمه فأسقط رأسه في يديه وما عاد يدري ماذا يفعل؟
هنا تدخلت الزوجة وطلبت من زوجها أن يسكنها في بيت خاص بهم ويتركا بيت أهله ،فاعترض الزوج بشدة لأن أمه وحيدة وهو المعيل الوحيد لها ،ولا يمكن له أن يتركها.
وبعد الخلافات والمناوشات الطويلة قررت الزوجة ترك بيت زوجها والعودة إلى بيت أهلها ،ومر وقت طويل وهي في بيت أهلها ترفض كل محاولات زوجها للإصلاح والعودة إلى بيت الزوجية ،إلى أن تعرضت أمه لمرض شديد أقعدها الفراش ،هنا كان لابد من عودة الزوجة إلى بيتها لرعاية زوجها وأمه المريضة.
وبالفعل عادت والشيطان يوسوس لها متمنية موت حماتها ،ولكن الأمور لم تسر حسب هذا المنوال ،فقد استردت الحماة صحتها سريعاً ،وعادت الأمور بينهما إلى سابق عهدها من التوتر والمشاحنة وفي كل مرة كانت المشكلة تنتهي بضرب الحماة زوجة ابنها التي قررت أخيراً التخلص من حماتها بقتلها بالسم ليخلو لها بيتها وزوجها.
وبالفعل صارحت الزوجة صديقتها بنيتها ،لكن الصديقة أبدت تخوفها من الفكرة ،فهذا سلوك مرعب لا يمكن أن تشارك فيه ،لكن الزوجة قالت لها إنها ستنفذ خطتها سواء ساعدتها الصديقة أم لم تساعدها ،ومهما كانت النتائج ،لأنها إن لم تقتل حماتها فسوف تموت قهراً وكمداً .
وفكرت الصديقة كثيراً ثم قالت لصديقتها : سأساعدك بشرط أن تنفذي كل ما أطلبه منك حرفياً ودون زيادة أو نقصان ،على الفور وافقت الزوجة شاكرة تعاون صديقتها معها…
وفي اليوم التالي جاءت الصديقة ومعها علبة صغيرة من الزجاج مغلقة بإحكام وملفوفة بقطعة قماش ،وهمست في أذن صديقتها بأن الزجاجة تحتوي على سم قاتل لا يمكن اكتشافه ،وطلبت منها أن تضع كل يوم منه قطرة واحدة في طعام الحماة أو شرابها وذلك لمدة شهر كامل ،وبعد الشهر سيفعل السم مفعوله ويقضي على الحماة دون أن يحس أحد بالأمر.
واشترطت على الزوجة أن تحسن معاملة حماتها وتتحمل إهاناتها بصدر رحب طيلة الشهر حتى لا يشعر أحد بالأمر
وبالفعل بدأت الزوجة بتنفيذ قرارها ،وبدأت تضع قطرات من السم الذي أعطته لها صديقتها في طعام حماتها وشرابها ،وفي الوقت نفسه بدأت تتودد إلى حماتها بكلمات المديح والمجاملة ،فإذا استيقظت من نومها قالت لها : إنك يا عمتي تزدادين جمالاً رغم سنوات عمرك ،وأجمل ما تكونين في الصباح ،وإن ارتدت ثوباً جديداً أثنت على ذوقها في اللبس ،وإن قامت إلى المطبخ ركضت وراءها طالبة منها أن ترتاح وأنها هي من سيخدمها ،وأن تقوم هي بالعمل الذي تريده الحماة ،وبعد أيام من هذه المعاملة التي تطغى المجاملة عليها ،ويلفها المديح بدأت الحماة تراجع ذاتها وتلوم نفسها على سوء معاملة زوجة ابنها ،ولم يمر أسبوع إلا وكانت الحماة قد تحولت إلى أم للزوجة ترعاها وتخاف عليها ،وتبتسم في وجهها وتجاملها بكلمات المديح والإطراء.
وبعد عدة أيام وبينما كانت الزوجة تحمل إبريق الشاي إلى طاولة الطعام تعثرت وسقطت وانقلب الإبريق على الأرض ،هنا هبت الحماة بخوف نحو زوجة ابنها وفي عينيها دموع القلق تسألها كأم حنون إن كان أصابها مكروه ،هذا الموقف غيّر قلب زوجة الابن ،وامتنعت عن وضع السم لحماتها في ذلك اليوم.بل على العكس ذهبت لصديقتها تطلب منها ترياقاً يبطل مفعول هذا السم ،و اخبرتها بأن حماتها امرأة طيبة وأنها غيرت معاملتها السيئة معها وأكملت القول فندمت على فعلتي فساعديني ،وهنا اعترفت الصديقة بالسر قائلة إنها لم تعطها سماً بل قطرات من الماء وضعتها في زجاجة ،وطلبت منها تغيير معاملتها لحماتها ،لأن حسن المعاملة والكلام الطيب يغير النفوسيقول الله تعالى :* ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم *
لذلك نقول إنك كلمات مدح يمكن أن تثير في النفس مشاعر الرضا والقبول في نفس الممدوح ،بل تجعله أكثر حباً لمادحه …
فالكلمة الطيبة لها فعل السحر ،لقد وفقت الصديقة بين الحماة وكنتها ،وأنقذت حياة أسرة كاملة من خطر الفراق .قال الرسول صلى الله عليه وسلم :“الكلمة الطيبة صدقة “