قصة الحمار أبو حديد

استيقظ الذئب من نومه ، تثائب ومدد جسمه ، نظر حوله فإذا بيته شديد القذارة ، فمنذ فترة لم ينظفه حتى صار شكله لا يحتمل ، فرائحته كريهة والحشرات تملؤه .
قال الذئب لنفسه : إن هذا البيت يجب أن ينظف ولكن لا أحب القيام بالتنظيف فماذا أفعل .
خرج الذئب إلى باب بيته ونظر فوجد حمارًا يسر في الطريق ، فجرى نحوه وقال له : أين أنت ذاهب الآن ؟
– إني ذاهب لإحضار طعامي
– ادخل إلى بيتي وقم بتنظيفه .
– لا وقت عندي أريد أن احضر طعامي فأنا جائع
– ادخل وإلا صرت أنت طعامي اليوم .
خاف الحمار ودخل بيت الذئب وأخذ بتنظيفه وهو يعاني من الجوع  ورائحة بيت الذئب الكريهة ، وأخذ الذئب ينظر إلى الحمار وهو ينظف ويعمل وقال في نفسه : إن هذا الحمار فرصة ذهبية ، فقد وجدت من يقوم بتنظيف بيتي كل يوم ؟
وفي نفس الوقت كان الحمار يفكر في طريقة يرفع بها الظلم عن نفسه ، فالذئب الظالم يرغمه على تنظيف بيته ، ويمنعه ذلك من إحضار طعامه ، فقال : بعد أن أنتهي سأذهب إلى الفيل كي يخلصني من هذا الذئب الظالم …
طرق الحمار بيت الفيل وقال : السلام عليكم .
– وعليكم السلام .
– عندي مشكلة وجئتك كي تحلها لي .
– وما هي مشكلتك ؟
حكى الحمار للفيل قصة ظلم الذئب له ومعاناته من الجوع ورائحة بيت الذئب الكريهة .
وقال الفيل : وماذا تريد مني أن أفعل ؟
– تضربه ضربة قوية بخرطومك فتقضي عليه كي أستريح منه .
– وأنت ماذا تفعل ؟
– لا شيء لا أستطيع أن أفعل شيئًا .
وهنا قال الفيل غاضبًا : تريدني أن أتولى حل مشكلتك وأنت تتفرج ولا تفعل أي شيء.
– علمني ماذا بوسعي أن أفعل .
– اذهب إلى القرد وسوف يساعدك .
ذهب الحمار سريعًا إلى القرد ، وطرق بابه وقال : السلام عليكم أيها القرد .
– وعليكم السلام .
– قد أرسلني الفيل إليك .
– لأي شيء أرسلك ؟
فأعاد الحمار قصته مع الذئب وما دار من جوار بينه وبين الفيل ، فقال
القرد فهمت .
– وماذا فهمت .
– إن الفيل يريد مني أن أساعدك في حل مشكلتك .
–  كيف ستحل مشكلتي أيها القرد ؟ هل ستضربه أنت وتقتله ؟ إنك مثلي أضعف من الذئب بل أنت أضعف مني ؟
– لكل مخلوق نقطة قوة إذا أحسن استغلالها نال من ورائها الخير الكثير .
– وماذا عني أنا ؟
– اصبر قليلًا ودعني أفكر .
تناول القرد إصبعًا من الموز ثم جلس وأخذ يزيل قشرته ووضعه في فمه وأخذ يقضمه ببطء وهو ينظر إلى الحمار وبدأ يفكر بعمق .
قال الحمار : لماذا تنظر إلي هكذا ؟ … لم يرد القرد واستمر في التفكير ، ثم انتفض من مجلسه فجأة وقال للحمار : لديك أرجل قوية أليس كذلك ؟ ففرح الحمار وقال : نعم .
– لماذا لا تستغل قوة رجليك في الدفاع عن نفسك ؟
– فكرة جيدة ولكن كيف ؟
– تستطيع أن تضع في كل رجل حدوة من الحديد ( مثل الحصان ) فتزيدها قوة .
وبالفعل ذهب الحمار إلى صانع أحذية الحمير واتفق معه على العمل عنده عدة أيام نظير تركيب الحدوات الحديدية في أرجله الأربعة .
 
وافتقد الذئب الحمار .. وبعد أيام ظهر الحمار في الطريق ، فلما رآه الذئب كشر عن انيابه وقال : أدخل فنظف البيت فقد تركته عدة أيام فتراكمت فيه القمامة ، هيا ادخل بسرعة .
– استجمع الحمار أبو حديد قوته وشجاعته وقال للذئب : لا ، لن أدخل بيتك القذر ولن أنظفه .
– إذن سوف تُؤكل .
– لن تستطيع .
– أنسيت نفسك .
– لا ، ولكني مستعد لقتالك ، وقد وضعت الحدوات الحديدية في أقدامي وسوف أضربك ضربات قوية فوق رأسك إن حاولت الاعتداء علي ، ثم أخذ الحمار وضع الاستعداد للقتال … فلما رأى الذئب ذلك تراجع وقال : إذهب .
– وإياك أن تعترض طريقي مرة أخرى .
– لا لن أعترض طريقك مرة أخرى .
قال الذئب لنفسه : سوف أبحث عن حمار آخر يقوم بتنظيف البيت …
وذات يوم بينما كان الحمار أبو حديد يمر أما بيت الذئب وجد الذئب مكشرًا عن أنيابه وحمار أخر يقوم بتنظيف بيت الذئب المليء بالقمامة ، قال الحمار أبو الحديد في نفسه : لقد فعل الذئب بهذا الحمار المسكين مثلما فعل بي ، ولذلك لن أتركه للذئب يظلمه … وانتظر الحمار أبو الحديد الحمار الآخر حتى انتهى من تنظيف بيت الذئب ، ولما انصرف لحق به وقال له : السلام عليكم أيها الحمار الصديق ، فرد الحمار الآخر وذهنه شارد : وعليكم السلام.
– مالي أرى علامات الحزن في وجهك .
– لا شأن لك .
– لعلي أساعدك .
– كيف تساعدني وأنت حمار مثلي وفي نفس قوتي ، إني أتعرض لظلم وقهر، وهذا الذئب الظالم يرغمني على تنظيف بيته القذر ويحرمني من السعي على رزقي وجلب طعامي .
– وماذا يحملك على إطاعة أوامره وتحمل قذارة بيته .
– إنه يهددني أن يأكلني ، ثم قال في تهكم واضح : لو كنت في مكاني كيف كنت تفعل أيها الحمار الصديق ؟
قال ابو الحديد : لقد كنت فعلًا مكانك ، وكان الذئب يرغمني على تنظيف بيته القذر مثلك تمامًا .
– انتفض الحمار وصاح قائلاً : وماذا فعلت ؟
– رفع الحمار أبو الحديد رجله وقال : لقد قمت بتركيب هذا الحديد في أقدامي للدفاع عن نفس ؟
– وماذا فعل الذئب ؟
– انصرف عني وبحث عن حمار مغفل حتى وجدك .
– أتقصد أني مغفل ؟
وأنا ايضًا كنت مغفلا حتى استطعت التخلص من ظلم الذئب .
– إذا الحل في الحديد ؟
– نعم الحل في الحديد.
– فعل الحمار الجديد مثلما فعل الحمار أبو الحديد واستطاع أن يزجر الذئب ويرد ظلمه .
– وكلما بحث الذئب عن حمار جديد ، توجه إليه الحمار أبو الحديد وأسدى إليه النصيحة كي يتخلص من ظلم الذئب .. وذات يوم اجتمعت الحمير ذوو الحديد كي يتناقشوا سويّا في أمر الذئب .
– قال الحمار أبو الحديد : ماذا ترون أن نفعل في شأن هذا الذئب الظالم ؟
– قال أحدهم : نجتمع عليه ونقتله .
– قال آخر : بل نخرجه من هذه الغابة إلى مكان بعيد ، فلا مكان له بيننا .
– وقال ثالث : بل نجعله ينظف بيوتنا لقاء تنظيف بيته في السابق .
– قال الحمار أبو الحديد: بل ينظف بيوتنا ثم يرحل ، وهنا ارتفعت أصوات الحمير بالموافقة على هذا الرأي … وتوجهت الحمير إلى بيت الذئب وطرقوا الباب ، ولما فتح الذئب الباب وجد مجموعة الحمير ورأى في أرجلهم الحديد وفي وجوهم التحدي ، فعلم أنه لا طاقة له بهم فقال : ماذا تريدون ؟
– أن توفي ما عليك من الديون .
– لم اقترض من أحد شيئًا .
– بل اغتصبت جهدنا وظلمتنا .
– وماذا تريدون الآن ؟
– أن تقوم بتنظيف بيوتنا جميعا كما عملنا في تنظيف بيتك .
– ثم ماذا ؟
– ثم ترحل خارج غابتنا حتى لا يكون هناك أثر للظلم .
– فكر الذئب ورأى أنه لا خيار له إلا استجابى لمطالبهم ولو ظاهريًّا ، فقال :
سوف أفعل ولكن أمهلوني للغد ، فقالوا : لك ذلك .
– وفي ظلمة الليل قال الذئب لنفسه لم يعد لي مكان في هذه الغابة ، علي أن أهرب قبل أن يأخذوا حقهم مني … وفي الوقت نفسه قامت الحمير بحراسة منافذ الغابة حتى لا يهرب الذئب قبل أن يؤدي ما عليه ، وهكذا لم يجد الذئب منفذًا للهرب  ، وفي الصباح طاف على بيوت الحمير فنظفها جميعًا ، وكل الحمير يشاهدون الظالم المغرور وهو يتجرع مرارة القهر المذلة وبعدها أخرجوا الذئب من الغابة وطردوه بعيدا عنهم وجلس الحمير يومًا يسترجعون ذكرياتهم مع الذئب ، فقال أحد الحمير للحمار أبو الحديد : لماذا سعيت لمساعدة إخوانك من الحمير ، وقد كنت تستطيع أن تتركهم بعد أن نجوت نفسك ؟ … فقال الحمار أبو الحديد إن النفس السوية لا ترضى بالظلم لغيرها كما لا ترضاه لنفسها .
 
المؤلف: عبد الله محمد عبد المعطي

Exit mobile version