الراعي إحسان رجل طيب يعيش في خيمة في الصحراء ويمتلك مجموعة من الأغنام ، يخرج بها يوميّا في الصباح الباكر لترعى على العشب ، ثم يعود في المساء ، وبعد أن يستريح قليلاً ، يحلب الأغنام ، فيشرب من ألبانها ويهدي لجيرانه وأصدقائه من اللبن الوافر لديه ، وكان يصنع بعض الأجبان ويذهب بها إلى سوق المدينة لبيعها وشراء ما يلزمه من أغراض …
كان الراعي إحسان سعيدًا في حياته ، محبوبًا بين جيرانه ، وكان أكثر ما يؤرقه هو كيف يحمي أغنامه من الذئاب واللصوص ، وبعد التفكير وإستشارة الجيران تأكد الراعي إحسان أنه لا بد له من كلب وفي نشيط يحرس الخيمة والأغنام.
وذات صباح ذهب الراعي إحسان إلى السوق ليبحث عن الكلب المطلوب ، وأخذ يقلب بصره بين الكلاب في السوق حتى وجد كلبًا صغيرًا تظهر عليه علامات النشاط ، فاقترب منه وقال : ما إسمك ؟
الكلب:يقظان.
الراعي:هل تقبل أن تأتي للعمل معي ؟
الكلب:أين ؟
حكى الراعي إحسان للكلب يقظان كيف يعيش وحده وأنه يخشى على أغنامه من الذئاب واللصوص ، فقال الكلب يقظان : إن هذه مهمة نبيلة أرحب بالقيام بها .
الراعي:حسنًا سوف أدفع ثمنك لصاحب الكلاب ثم ننطلق إلى خيمتنا لتبدأ عملك الجديد.
الكلب:على بركة الله أيها الراعي .
أحبّ الكلب يقظان العمل في الصحراء حيث الجو النقي والمكان الفسيح ، وكان يرافق الراعي إحسان في الصباح للرعي ، ويحرس في الليل الراعي والخيمة والأغنام ، وكان الكلب سعيدًا بسلوك الراعي إحسان ، حيث كان يعتني بأغنامه ويحسن إلى جيرانه ، ويعطف على المحتاجين ، وكان يقدم الطعام لمن يضل الطريق في الصحراء .
وبعد أن عاش الكلب مع الراعي فترة من الزمن قال له الراعي : أنا سعيد بك يا كلب يقظان ، فالذئاب واللصوص لم يعودوا يأتون إلى خيمتنا ، وهذا لأنك تقوم بعملك على خير وجه.
الكلب يقظان:هذا واجبي ، وكيف لا أفعل ذلك وأنا أراك رجلاً طيبًا ترعى أغنامك وتتقن عملك ، وتؤدي حقوق جيرانك ، ثم إنك شديد الإحسان إليّ .
إنتشرت السمعة الطيبة للكلب يقظان ، وإشتهرت مهارته في مطاردة اللصوص والذئاب ، وكان الناس يسألون عنه الراعي إحسان كلما ذهب إلى السوق … وفي أحد الأيام ذهب إحسان إلى السوق كعادته ليبيع بضاعته ، وبينما هو مشغول في عمله جاءت سيارة راقية وفيها رجل تبدو عليه علامات الثراء وسأله : هل أنت الراعي إحسان؟
الراعي إحسان:نعم يا سيدي .
الرجل:أريد أن أشتري منك شيئًا .
الراعي إحسان:جبنًا أم لبنًا ؟
الرجل:أنا لا أشتري هذه الأشياء من أسواق الفقراء هذه .
الراعي:إذا ماذا تريد؟
الرجل:أريد أن أشتري الكلب يقظان ، فقد سمعت عن ذكائه ويقظته في الحراسة .
الراعي:إنه يقوم بحراسة أغنامي وخيمتي.
الرجل:سوف أعطيك فيه مبلغًا كبيرًا من المال .
الراعي:ولكن الكلب يقظان يحب العمل معي .
الرجل:سوف يأتي لحراسة قصري الكبير المحاط بالحدائق وسوف يعجبه المكان جدّا.
الراعي:وخيمتي وغنمي .
الرجل:وسوف تنتفع بالمال ، ويمكنك تدبير كلب آخر ليحرس خيمتك الصغيرة .
الراعي:دعني أسأله أولاً ، ونلتقي في السوق بعد يومين ، على بركة الله .
عاد الراعي إحسان إلى خيمته مهمومًا ، تدور في رأسه الأفكار ، فسأله يقظان: ما بك أيها الراعي ؟ لست كعادتك .
الراعي:لقد تلقيت اليوم عرضا جعلني أغرق في بحر من الحيرة .
يقظان:وما هو ؟
الراعي:لقد عرض علي أحدهم أن أبيعك بمبلغ كبير من المال .
جف ريق الكلب يقظان وإضطرب وقال : تبيعني ؟
الراعي:نعم أبيعك لأحد الأثرياء كي تحرس قصره الكبير المحاط بالحدائق الجميلة .
يقظان:وكيف عرفني ؟
الراعي:لقد إشتهرت بسمعتك الطيبة بين الرعاة وصاروا يتحاكون بنشاطك ومهارتك .
قال الكلب يقظان بصوت ملئ بنبرة القلق والعتاب : وهل وافقت على البيع؟
إغرورقت عينا الراعي إحسان بالدموع ،وقال : لم أقرر بعد .
ولاحظ الكلب يقظان أن الراعي إحسان يميل للموافقة على بيع نظير المال الكثير ،فلم يشأ أن يحرجه وقال : الأمر كما تحب ..فقال له الراعي : سوف تستمتع هناك بالحدائق الخضراء ، فهي على كل حال خير من رمال الصحراء الصفراء .
وبعد يومين من الموعد المحدد تمت صفقة البيع وذهب الكلب يقظان لعمله الجديد، فوجد القصر كبيرًا ، وحوله حدائق واسعة وأبواب ضخمة ، وهناك قال له صاحب القصر : أريد أن أرى نشاطك يا كلب يقظان .
يقظان:ما هي مهمتي بالتحديد ، إن هذا القصر كبير جدّا .
أخذ صاحب القصر الكلب يقظان إلى إحدى جهات القصر وقال : سوف تقوم بمطاردة اللصوص اللذين يحاولون القفز من الأسوار من هذه الجهة .
يقظان:والجهات والأبواب الأخرى .
الرجل:عليها حراس أقوياء وكلاب أذكياء مثلك .
وقف الكلب يقظان من مكان حراسته متيقظًا كعادته ، وفي منتصف الليل سمع صوت أقدام تقفز على سور القصر ، أسرع يقظان إلى المكان فوجد رجالاً يتسلقون السور ويهبطون داخل القصر، فانقض عليهم بكل قوة وأخذ يطاردهم وينبح بكل قوة ، وهنا أمسك بهم الحراس وأوسعوهم ضربًا والرجال يبكون من ألم الضرب ويقولون : نريد حقنا ، نريد حقنا ، أعطونا أموالنا .
تعجب الكلب يقظان من هؤلاء اللصوص الذين يبكون ويطالبون بحقهم ،وانتظر عدة أيام ، وإذا بصوت المتسلقين مرة أخرى ، فأسرع إليهم ولما رأوه بدأوا يلوزون بالفرار ، فناداهم الكلب يقظان : إنتظروا ما الأمر ؟ تقولون أعطونا حقوقنا ، هل للصوص حقوق ؟
اللصوص:لسنا لصوصًا .
يقظان:إذا لماذا لا تأتون من الأبواب ؟
اللصوص:إن هذا الرجل صاحب القصر يغتصب أموالنا .
يقظان:كيف؟
اللصوص:يأخذ بضائعنا ولا يسدد ثمنها ، نعمل عنده فلا يعطينا أجورنا ، إننا لا نكاد نحصل على أقوات أولادنا ، فهو يتهرب منا ويضع هذه الحراسات القوية كي يمنعنا من لقائه والمطالبة بحقنا .
يقظان:فهمت .
اللصوص:ماذا فهمت ؟
يقظان:إن اللصوص هم الذين يعيشون داخل القصر وليس الذين يأتون من الخارج .
اللصوص:وماذا ستفعل ؟
يقظان:سوف أسمح لكم بالدخول والمطالبة بحقوقكم ، هيا ادخلوا …
فوجئ الثري صاحب القصر بأهل القرية الفقراء أمامه يطالبونه بحقوقهم التي عنده فقال : سوف أعطيكم حقوقكم غدًا ، فقالو جميعًا : لن نترك هذا المكان حتى نأخذ حقوقنا كاملة ، وأمام إصرارهم إضطر صاحب القصر أن يعطيهم حقوقهم ..
وفي الصباح جمع كل الحراس والكلاب وقال وهو في غضب شديد : كيف إستطاع هؤلاء المجرمون أن يصلوا إلى داخل القصر ؟ خيم الصمت على الجميع ولم يرد أحد ، فأعاد السؤال مرة أخرى وهو أشد غضبًا ، حينئذِ قال الكلب يقظان : ليسوا لصوصًا ولا مجرمين بل مظلومين .
الرجل:وما شأنك أنت ؟
يقظان:إن عملي هو حماية الأبرياء من اللصوص وليس حماية اللصوص من الأبرياء .
الرجل:لا عمل لك عندي بعد الآن أنت مطرود ..
عاد الكلب يقظان إلى الراعي إحسان الذي إستقبله بترحاب بالغ وسأله : ماذا عاد بك من القصر المحاط بالحدائق إلى رمال الصحراء؟
قال الكلب يقظان : إن حراسة الشرفاء في الصحراء أفضل من حراسة اللصوص في الحدائق الغناء.
***
المؤلف:عبدالله محمد عبد المعطي