يحكى أنه في زمن بعيد كان هناك رجل من بغداد يدعى جميل، وذات يوم قرر هذا الرجل أن يذهب إلى الحجاز، فأقفل منزله ودكانه في بغداد، وجمع كل أمواله وكانت تقدر بألف دينار من الذهب ووضعها في جرة من الفخار و غطاها بثمار الزيتون .توجه جميل إلى جاره إبراهيم وأخبره عن نيته في السفر إلى الحجاز، ثم أعطاه الجرة لتكون أمانة لديه وقال له أن هذه الجرة من الزيتون أمانة عندك حتى أعود فأرجوك أن تحافظ عليها جيداً يا صديقي العزيز.
فقال له صديقه إبراهيم في ثقة : توكل على الله يا أخي العزيز وسوف تعود سالماً غانماً باذن الله تعالى لتجد زيتونك كما هو في الحفظ والصون .
وبالفعل سافر جميل إلى الحجاز وظل هناك عدة سنوات وفي يوم من الأيام أراد الجار إبراهيم أن يتذوق طعم الزيتون، فنزل إلى القبو الذي وضع فيه الجرة وكشف الغطاء عن جرة الزيتون وأمال الجرة حتى يتخلص من الماء، فتفجأ إبراهيم بتساقط الدنانير الذهبية على الارض .
أخذ إبراهيم يجمع الدنانير الذهبية ثم خبأها وقال لزوجته أن الزيتون أصبح متعفناً لا يصلح للأكل، ولم يخبرها بما وجد من دنانير داخل الجرة .
بعد عدة شهور انتشر خبر عودة العم جميل إلى بغداد فانزعج إبراهيم وشعر بالقلق والخوف من صديقه وفكر في خدعة ليداري فعلته وسرقته للأمانة .فذهب إلى السوق واشترى زيتوناً طازجاً ثم عاد إلى منزله ووضع الزيتون في الجرة وأعادها في مكانها كأن شيئاً لم يكن .
وفي المساء ذهب جميل إلى صديقه الخائن ليطالبه بالجرة فأعطاه الرجل الجرة ورجع بها إلى داره ولكنه عندما أمالها تساقط منها الزيتون ولا شيء غيره .فعرف أن جاره خان الأمانة وسرق دنانيره الذهبية، قرر أن يعرض الأمر على القضاء، فسأل القاضي إبراهيم وقال له : كيف أضعت الأمانة !فقال له : عندما أعطاني الجرة قال لي أن بها زيتون ويجب عليك يا سيدي أن تسأله إن كنت أكذب .فقال القاضي للعم جميل : هل لديك ردا غير أنك قلت له يوجد بالجرة زيتون!فقال جميل وهو حزين : نعم قلت له أن بها زيتون .فلم يتمكن القاضي من إيجاد الدليل على السرقة، ووجد القاضي نفسه مضطراً أن يحكم ببراءة الجار فخرج جميل حزيناً .
وبعد مرور عدة أيام كان قاضي قضاة بغداد الذي حكم في القضية في الطريق يسير فرأى بعض الصبيان يمثلون حكاية العم جميل وصديقه الخائن وسمع القاضي أحد الصبيان يقول : لقد ظهرت الحقيقة أيها الخائن، إن الزيتون لا يمكن أن يستمر في الجرة لسنوات طويلة دون أن يفسد ويتعفن، فكيف يكون هذا الزيتون سليماً جديداً، أنت سرقت الدنانير وبعد ذلك وضعت الزيتون فى الجرة وهذا دليل على خيانتك للأمانة .
تأكد القاضي من أن حكمه لم يكن صائباً فاستدعى إبراهيم وقارعه بالحجة والدليل ولم يتركه حتى اعترف بفعلته، وعاقبه على فعلته ورجعت الدنانير إلى صاحبها العم جميل، ونال خائن الأمانة وخائن الصداقة جزائه.