كان يا ما كان في قديم الزمان ،كان يحكى عن تاجر دمشقي دائما ما كان يتحدى أصدقائه ويقول لهم : أنا لم أقم في حياتي بتجارة وخسرتها فلم يسبق لي الخسارة مرة واحدة .فضحك أصدقائه تهكما وقالوا : كيف لك أن لا تخسر في حياتك ولا مرة واحدة كيف بالله عليك ؟ فطلب منهم التاجر أن يقدموا له تحديا .فقالوا له أنه من المستحيلات أن تبيع تمرا في البلاد وتربح ،لأن التمر هناك متوفر كتوفر التراب في الصحراء .فقال لهم : قبلت التحدي فاشترى تمرا ،مستوردا من العراق وانطلق شرقا إلى بغداد آنذاك …
ويحكى أن الخليفة آنذاك كان ذاهبا في نزهة إلى الموصل حيث الربيع وكانت الموصل من أجمل المدن في شمال العراق بطبيعتها حيث كانت تسمى أم الربيعين لأن الربيع بها كان صيفا وشتاء.
وكانت ابنة الخليفة قد أضاعت قلادتها في طريق العودة من الرحلة ،فبكت واشتكت فأمر الخليفة بالبحث والعثور على القلادة ،وأغرى سكان بغداد بأنه من يجد قلادة ابنته فله مكافأة عظيمة و سيزوجه منها ،أي من ابنة الخليفة .
ولما وصل التاجر الدمشقي إلى مشارف بغداد وجد الناس مثل المجانين منطلقة إلى البر للبحث عن القلادة ،فسألهم ما بالكم ؟!فحكوا له قصتهم ،وقال كبيرهم : وأسفاه لقد نسينا أن نأخذ زادا ولا نستطيع العودة خوفا أن يسبقونا بقية الرجال الذين يحاولون إيجاد القلادة والزواج من إبنة الخليفة ،فأخذ التاجر الدمشقي يضرب كفا بكف وقال لهم : أنا أبيعكم تمرا ،فاشتروا منه التمر بأغلى الأسعار ،وقال ها أنا فزت بالتحدي .
كان الخليفة بالجوار في إحدى الخيام المنصوبة للبحث عن القلادة الثمينة سمع عن خبر التاجر الدمشقي الذي يبيع تمرا في العراق ويربح فتعجب من ذلك أشد العجب وطلب مقابلته فقال له : أخبرني عن قصتك .
فقال له : يا أيها الخليفة أدام الله عزك إنني منذ أول يوم من تجارتي لم أخسر مرة واحدة ،فسأله الخليفة عن السبب .فقال له : كنت ولدا فقيرا يتيما وكانت أمي معاقة وكنت أعتني بها منذ الصغر وأعمل وأكسب خبزة عيشي وعيشها منذ أن كنت في الخامسة من عمري .
فلما بلغت العشرون كانت أمي مشرفة على الموت لشدة مرضها ،فرفعت يدها داعية أن يوفقني الله وأن لا يرني الخسارة في ديني ودنياي أبدا وأن يزوجني من بيت الملوك وأن يحول التراب في يدي ذهبا وبحركة لا إراديه مسك حفنة من التراب وهو يتكلم تعبيرا عن دعوة أمه بمسك التراب ينقلب ذهبا ،وإذا به يشعر بشيء غريب في يده فمسكه بيده ونظر إليه وإذا هي قلادة ذهبية ،تبسم الخليفة وتعجب وقال هذه قلادة ابنتي التي نبحث عنها وقدمت ابنة الخليفة عند سماع خبر القلادة وعرفتها وقالت قلادتي يا أبي ،أعطى التاجر الدمشقي القلادة لإبنة الخليفة بكل احترام وأعجبت به كثيرا .
وهكذا من دعاء أمه كان هذا التاجر الدمشقي أول من صدر التمر إلى العراق في التاريخ وبنجاح وأصبح صهر الخليفة .
إنها دعوة الأم المستجابة ورضى الوالدين ،يغرقان الإنسان في النعم .