قصة توبة الحداد – توتي توتي
يُحكى أن حسن البصري ،قال ذات مرة، مررت بسوق الحدادين ببغداد فوقع بصري على حداد يمد يده في الكورة ويمسك الحديد الأحمر الذائب بدون أن يشعر بحرارته ويضعه على السندان ويطرقه بالمطرقة ويخرجه بأي شكل يشاء .وعند مشاهدتي لهذا الأمر العجيب وجدت في نفسي رغبة لسؤاله ، فتقدمت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام .فسألته : أيها السيد ألا تؤذيك نار كورة حر الحديد المذاب ؟فقال : لا !.فقلت : وكيف لا تشعر بحرارة النار ؟.فرد علي وقال : منذ زمن بعيد ،مرت علينا هنا أيام من القحط والجوع ،أما أنا فكنت قد خزنت كل شيء .وذات يوم أتت امرأة وجيهة الطلعة، حسنة الصورة وقالت : يا رجل!. إن لي أيتام صغاراً يتضورون جوعاً وهم بحاجة إلى قليل من الطعام، وأطلب منك أن تهبني شيئاً من الحنطة في سبيل الله لإنقاذ حياة هؤلاء الصبية من الجوع .وبما أنني فتنت بجمالها من خلال نظرة واحدة قلت لها إذا كنت تريدين الحنطة فيجب أن أقضي منك حاجتي .غضبت المرأة لهذا الكلام واعرضت عني وذهبت في حال سبيلها .وفي اليوم التالي ،عادت إلي باكية وكررت ما طلبته في اليوم الأول ، فأعدت عليها ما كنت قد طلبته منها .فعادت أدراجها صفر اليدين، وجاءتني في اليوم الثالث وهي في غاية الأسى وقالت إن أطفالي على وشك الموت فارجوا أن تنقذهم من الجوع والموت .فكررت عليها طلبي ،ويبدوا أن الجوع أنكها فلم تعد لها قدرة على المقاومة .و حين اقتربت مني كانت تقول : ارحمني أيها الرجل أنا وأطفالي !. فنحن جياع وبحاجة إلى قليل من الطعام .فقلت لها : أيتها المرأة لا تضيعي وقتي سدى، فتعالي أقضي منك حاجتي واعطيك الحنطة .وعندها أكثرت من البكاء وقالت إنني لم أرتكب قط فاحشة في حياتي وهذا العمل حرام ولكني مضطرة لتلبية طلبك، لأنني وأطفالي ما ذقنا الطعام منذ ثلاثة أيام ولكن لي عليك شرط فقلت ما هو شرطك ؟.قالت : أن تأخذني إلى مكان لا يرانا فيه أحد .فأكمل الحداد وقال : فوافقت على طلبها وأخليت لها الدار وما أن دنوت لأقضي حاجتي منها رأيتها تضطرب وقالت لم كذبت علي ولم تفي لي بالشرط ؟.فقلت : وأي شرط هذا ؟.فقالت : ألم تعاهدني على أن تأخذني إلى مكان لا يرانا فيه أحد ؟قلت : نعم أليس هذا المكان خال ،فصدقيني لا يوجد أحدا بالدار سوانا ؟.قالت : كيف هو خالِ وفيه خمسة يشهدوننا !!فقلت : من هم الخمسة قولي لي ؟فقالت : هم الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والملكان الموكلان بك والملكان الموكلان بي هؤلاء كلهم حاضرون ويشاهدون عملنا، ومع هذا أراك واهم أن لا أحد يرانا .فخف ربك يا رجل وأصرف حرامك عني، فيصرف عنك لهيب النار .تنبهت من كلامها هذا وفكرت مع نفسي وقلت أن هذه المرأة مع ما بها من جوع وضيق تخاف ربها إلى هذه الدرجة ،وأنا لا أخشى الله مع كل هذه النعم التي منَ بها علي ؟ .
منذ ذلك اليوم ندمت ،وتبث إلى ربي من ساعتي تلك وتركت المرأة وأعطيتها ما أرادت وزيادة عليه .وأذنت لها بالانصراف ولما رأت هذا الموقف مني رفعت طرفها إلى السماء وقالت اللهم ! كما صرف هذا الرجل حرامه عني أصرف عنه حر النار في الدنيا والآخرة .ومنذ تلك اللحظة التي دعت لي المرأة فيها بهذا الدعاء أصبحت لا أشعر بحر النار في الدنيا ،وأتمنى أن يعفوا عني الله ولا أذوق حر جهنم .
error: النسخ ليس ممكناً