قصص اطفال

قصة رواية سيدان من فيرونا

يحكى أنه في مدينة فيرونا ، كان يحيا شابان من أبناء الطبقة الأرستقراطية : أحدهما يدعى فالنتين ، والآخر يسمى بروثيوس ، وكانا صديقين حميمين ، يقضيان معظم الوقت معا ، فمن بحث عن أحدهما وجد الآخر بجواره .
وكان بروثيوس يحب فتاة تدعى جوليا ، أما فالنتين فلم يعرف الحب طريقه ولم يدق بابه قط ، وكلما كان بروثيوس يحدثه عن لوعة الشوق وعذابه ؛ كلما كان يسخر منه قائلاً : أن حريته هي سر سعادته ، وليس في الوجود من سعادة تضاهيها .
وفي يوم من الأيام ، جاء فالنتين إلى صديقه ليخبره ، بنيته للسفر إلى ميلان بحثا عن المجد ، وقال له أنه لن يقضي شبابه خاملًا دون عمل في الوطن ، ولولا جوليا التي يحبها لطلب منه السفر بعيدا معه ، فهما لم ينفصلاً أبدا كتوأم لأب وأم وحيدين .
حزن بروثيوس لقرار صديقه ، ولكن حبه لجوليا منعه من اللحاق به ، فكتب إليها رسالة يخبرها بأنه جريح معذب في عشقها ، وهي لا تبادله الشعور .
والحق أن جوليا كانت تحبه كثيرًا ، وكانت نبيلة الأخلاق ، ترى أن الفتاة لا يجب أن تستجيب لأمر الحب بسهولة ، ولكن كلماته تلك المرة أثرت بها كثيرًا ، فكتبت إليه عن حبها المشتعل .
لم يصدق بروثيوس نفسه حينما قرأ تلك الكلمات التي كتبتها حبيبته ، فكم من مرة صرح لها ، وأخفت ، وأخذ يضحك وهو يقرأ الرسالة مرات ومرات ، إلى أن دخل عليه والده فجأة  وسأله رسالة من هذه ، فلم يدري ماذا يقول حينها ، فقد كان أمر حبه سراً .
ولكن بسرعة تدارك بروثيوس الأمر وأخبر والده أن الرسالة من فالنتين ، أرسلها إليه من ميلان ليطمئنه على أحواله ، ومدى قربه من الدوق الحاكم ، وأنه يتمنى لو كان معه ، حينها فكر الأب في إرسال ابنه هو الآخر إلى بلدة ميلان ، فسأله عن رأيه في رغبة صديقه؟
فأجاب أن رغبته من رغبة أبيه ، وهنا أفصح الأب عن قراره ، وقال له جهز أمتعتك فغدا ستسافر للحاق بحاشية دوق ميلان ، فأنا أرغب أن تقضي بعض الوقت هناك .
نزل الخبر على بروثيوس كالصاعقة ، كيف سيسافر ويترك حبيبته جوليا التي أخيرا أخبرته بحبها .!
عرفت جوليا بالخبر ، وجاءت لتودع حبيبها بمزيج من الأسى والألم ، وأهدته خاتمًا ليتذكرها ، وأهداها مثله ، ووعدته بالانتظار والوفاء ، ووعدها بالمثل ، وافترقا الحبيبان .
كان فالنتين من المقربين إلى دوق ميلان ، فقد كان شهمًا كريم الأخلاق ، ويساعد الجميع ؛ مما لفت نظر سيلفيا ابنة الدوق فوقعت في حبه ، وهام بها ، ولكنهما أخفيا ذلك الحب خوفاً من بطش الدوق ، والذي كان يرغب في تزويجها من ثوريو الذي لا تحبه .
بعد أيام قليلة وصل بروثيوس ، وإمتثل أمام دوق ميلان ، فوقعت عينيه على سيلفيا الجميلة ابنة الدوق ، فهام بها حبا ، ونسي حبه ، ولم يعد ذلك الصديق الوفي الذى كان يتقاسم كسرة الخبز مع صديقه ، وكأنهما أخوين ؛ فقد أخبره فالنتين بحسن نية عن حبه لسيلفيا ، ونيته للهرب معها في المساء  ، إلا أن ذلك لم يمنعه من خيانة صديقه بحبه لسيلفيا ، وتركه لجوليا .
لعب الحقد بعقل بروثيوس ، فذهب إلى الدوق وأخبره بقصة الحبيبين سيلفيا وفالنتين ، وأنهما قد قررا الهرب ليتزوجا بعيداً عنه ؛ وأخبره عن قصة الهرب .
ظن الدوق أن بروثيوس مثالاً للاستقامة والأمانة ، وأنه فعل ذلك بدافع من الولاء لدوق ميلان ، فشكره على ذلك ، وانتظر فالنتين في المساء ، وحينما جاء احتال عليه بخدعة ؛ حيث أخبره أن يريد أن يتزوج ، ولكن الفتاة التي يرغب بالزواج بها جميلة جدا ويهواها كُثر ، وطلب منه أن يساعده للوصول إلى قلبها .
فأخبره فالنتين عن أمور الحب ، وكيفية تعلمها ، وطلب منه التودد لها بجميل الكلام  وحلو الهدايا .
استمع الدوق إليه وقال له : إنها رفضت هداياه وأبوها يضيق عليها ، فأخبره أن يذهب إلى حجرتها في الليل ويتسلق الجدران بسلم من الحبال ليتحدث معها ، ويقنعها بعظيم حبه ، هنا فطن الدوق لخطة هروب فالنتين ، وأخبره بكشف سره وطرده خارج حدود ميلان ، واشترط عليه ألا يعود مطلقًا .
غادر فالنتين المدينة دون أن يرى سيلفيا الحبيبة ، أو يودع صديقه والذي لم يكن يعلم أنه من تسبب بطرده ، لم يدري فالنتين ماذا يفعل ، ولم يشأ العودة مطروداً لأبيه ، فقد وضع عليه من الآمال مما أثقل كاهله .
فسار تائهاً على غير هدى في الغابة القريبة من ميلان ، وهناك باغتته جماعة من اللصوص ، فأقسم لهم أنه لا يملك شيئا ، وقص عليهم قصته ، فطلبوا منه أن ينضم لهم ؛ ليعملوا تحت إمرته وإلا قتلوه ، فاضطر مكرها أن يقبل قيادتهم بشرط ألا يسيئوا إلى امرأة ، أو عابر سبيل وبذلك أصبح فالنتين الخلوق زعيما للصوص .
ظلت جوليا في فيرونا حزينة لفراق حبيبها ، لم يصلها رسالة منه ، قلقت كثيرًا ، وقررت التنكر برفقة خادمتها ، واستعدا للذهاب إلى ميلان ، وعندما وصلت إلى ميلان رأت هناك ما أحزنها ، وكسر قلبها ، فرأت حبيبها بروثيوس يغازل سيلفيا ابنة الدوق ويهيم بها عشقًا، سمعت نفس الجمل الغرامية التي طالما أطرب بها أذنها .
استولى اليأس على قلب جوليا ، لكنها قررت ألا تتخلى عن حبها ، فتنكرت في زي شاب يدعى سبستيان ، وعملت في خدمة حبيبها لتكون على مقربة منه ، فأخذ يبعث معها الرسائل والهدايا إلى غريمتها سيلفيا .
ووصل به الأمر أن يعطيها الخاتم التي أهدته إياه لتعطيه لسيلفيا ، ولكن سيلفيا الوفية رفضت كل هداياه بكره شديد ، فهي لم تحب سوى النبيل فالنتين .
لم تطق سيلفيا العيش بعيدًا عن حبيبها فالنتين ،  فلما سمعت بفراره إلى ماتنوا قررت اللحاق به ، وخرجت خفية في المساء إلى أطراف الغابة ، وهناك وجدها اللصوص وأخذوها لتقابل زعيمهم .
ولما علم بروثيوس بهرب سيلفيا من البلدة خرج خلفها ، واصطحب معه سيباستيان خادمه الوفي ، وهناك في الغابة رأوها مع ثلاثة من اللصوص فاشتبكوا معهم .
امتنت سيلفيا لبروثيوس الذى أنقذها ، لكنها لم تبادله الحب رغم استمراره في الغزل والتقرب ، منها في وجود سيباستيان(جوليا حبيبته السابقة) ، مما جعلها تدفعه بعيدًا عنها ، وفجأة ظهر فالنتين زعيم اللصوص ، بعد أن أخبره رجاله بوجود امرأة تبحث عنه في الغابة .
فقد رأى فالنتين ما حدث من صديقه تجاه حبيبته سيلفيا ، فانقض عليه ، ولكمه على وجهه ، الأمر الذي أيقظ بروثيوس من غيبته ، وأخجله الندم على ما فعل بحق صديقه .
أخذ بروثيوس يعتذر ويتوسل إلى فالنتين ، أن يسامحه على غدره ، وكان فالنتين رجلاً نبيلاً  يقدر الصداقة ، ويحافظ على الوعود ،فعفا عنه .
كانت جوليا في ذلك الوقت مغيبة بدافع الحب ، ولكنها سرعان ما استفاقت ، وأعطت بروثيوس الخاتم الذي أرسله معها إلى سيلفيا .
لقد كان نفس الخاتم الذى أهدته إياه .تعجب كثيرًا كيف حصلت عليه ، فأخبرته أنها هي نفسها سيباستيان خادمه المخلص الذي كان يثق به ، فتأثر بوفائها وصبرها كثيرًا ، واعتذر منها وعاد إلى حبها .
وبينما كان الجميع في سعادة وحب ؛ إذ بدوق ميلان يحضر ، ومعه ثوريو خطيب سيلفيا ، الذي حاول جذبها بشدة بعيد عن فالنتين ، ولكن فالنتين النبيل أوقفه ، وحذره إن فعل ذلك ثانية فسيخسر حياته .
لم يكن ثوريو شجاعا للدفاع عن حب امرأة ، فهرب قائلًا أن الحب والزواج لا يستحق موت الراجل ، وهنا أدرك الدوق أن النبل ليس من شيم الجميع وأن فالنتين هو أحق الرجال بابنته سيلفيا ، فهو من سيحميها .
قبل فالنتين يد الدوق ، واعتذر عن الطريقة التي فكر فيها بالهرب مع ابنته ، وعاد الجميع معه إلى ميلان حيث احتفل بزواج الأربعة .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button