في أحد الأعياد كنا في السيارة أنا وأبي ولكن كان ذلك الفجر غير كل فجر، فقد صليت مع أبي حيث كان أبي يكبر وهو سائر في الطريق ولكن صوته كان منكسراً حزيناً، ترددت كثيراً قبل سؤاله : ما حكمة التكبير يوم العيد يا أبي ؟قال وهو يمسح دمعه رسمت خطاً على خده : حمداً لله وشكراً على نصره يا بني .
عدت لأسأله : هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكبر هكذا يا أبي ؟أجابني : نعم يا ولدي كان الرسول يكبر وقد أوصانا بذلك، أول ما كبر الرسول صلى الله عليه وسلم كبر يوم النصر الأعظم يوم فتح مكة، ومنذ ذلك اليوم والمسلمون يكبرون في أيام العيد ابتهاجاً وفرحاً بنصر الله وعزته .
تعجبت من كلام أبي وسألته ثانية : كيف تقول فرحاً وابتهاجاً يا والدي، وأنت يبدو عليك الحزن الآن وأنت تكبر لله عز وجل ؟قال والدي بابتسامة حانية : أنا حزين لأمور لن تفهمها الآن يا بني، وبدأ أبي يتمتم بكلمات لم أفهم منها سوى، أنه في بلاد أخرى غير بلادنا، هناك الكثير من المسلمون يعذبون والأطفال محرمون من فرحة العيد وبهجته ومن أدنى حقوقهم في الحياة .
توقفت عن الحديث فلم أتمكن من الاستمرار في سؤال أبي أكثر من ذلك، ولم أستطع أيضاً التفكير جيدا في كلام أبي، حيث أن خطاه الواسعة إلى المسجد كانت تقطع على كل تفكيري، وعندما وصلنا إلى المسجد رأيت الكثير من الرجال يكبرون، فأخذت أردد معهم والإمام يلقي علينا الخطبة، فقال كلاماً حسناً طيباً، منه : تعاونوا وتوادوا وتراحموا وأخذ ينهانا عن الخصام والمشاجرات والظلم والتباغض ودعا للمسلمين ونحن نردد وراءه بحرارة : آمين يا رب العالمين .
بعدما أنهى الخطيب حديثه وانتهينا من أداء الصلاة، انتشر المصلون في كل مكان، يسلمون على بعضهم البعض ويتبادلون التهاني والدعوات الجميلة، رأيت أبي يصافح جارنا، تعجبت في بادئ الأمر، لقد كانا متخاصمين، ولكنني شعرت بسعادة عندما رأيت تأثير خطبة الشيخ أمام عيني في الحال، ذهبنا إلى بيتنا لمعايدة أمي واخوتي وتناولنا طعام الإفطار الشهي الذي أعدته أمي، وأعطانا أبي العدية أنا وأخواتي الصغار، وأخبرني أننا سوف نخرج إلى زيارة أقاربنا لمعايدتهم مع اسرتى .
لبست ثوبي الجديد وخرجت أتشارك مع أصدقائي اللعب، وخلال ذلك تذكرت كلام أبي وحزنه، لاحظ صديقي سمير انشغالي فسألني عن السبب، فأخبرته عن كلام أبي وحزنه.
فقال لي بصوت حزين : في العيد القادم بإذن الله سنكبر تكبير النصر، وسيفرح كل المسلمون، فكرت قليلا في كلامه وما الذي يقصده لكنني فرحت وسعدت كثيرا لكلامه ثم انشغلنا من جديد باللعب ولكنني لا زلت أفكر كل يوم في كلام أبي وحزنه يوم العيد .