قصة أبو هريرة يبكي مرتين
يروى أن أبو هريرة لم يحزن كثيراً حين هرب منه خادمه وهو في طريقه لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم فإن فرحته بهذا اللقاء لا يعادلها شيء من متاع الدنيا، فقد أنجاه الله تعالى من الكفر وأصبح مؤمنا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.ولم يكد أبو هريرة ينتهي من مبايعة النبي الكريم وينطلق بالشهادتين حتى ظهر الخادم مرة أخرى وعاد إليه، وقال أبو هريرة : هو حر لوجه الله !
لزم أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يكاد يفارقه، يستمع إلى حديثه ويستن بسنته ويتأدب بآداب الإسلام وقد دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم حتى صار لا ينسى شيئا سمعه منه .
عاش أبو هريرة فقيراً، وقد كانت تمر به أيام لا يذوق بها طعاماً فيشد على بطنه حجرة من شدة الجوع.وفي يوم من ذات الأيام مر به النبي صلى الله عليه وسلم فعرف ما به، فدعاه أن يتبعه إلى بيته، فتبعه فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قدح فيه لبن، أهداه له بعض المسلمين فأمر أبا هريرة أن يخرج ويدعو له الفقراء .فعاد أبو هريرة ومعه عدد منهم، فأمره النبي أن يعطيهم ليشربوا فكان الواحد منهم يشرب حتى يرتوي ثم يعطيه لرجل آخر حتى شبعوا جميعا، وأبو هريرة لايزال جائعاً، ويقول في نفسه: هل سيبقى لي شيء، فقد أضر بي الجوع ؟ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم مبتسماً وقال : بقيت أنا وأنت فقط أقعد فاشرب .
فقعد أبو هريرة ليشرب والرسول صلى الله عليه وسلم، يقول له: اشرب، حتى لم يجد مكان للبن، فقد شبع وروى.فأخذ الرسول عليه الصلاة والسلام القدح وشرب، وأبو هريرة يتعجب من إكرام الله تعالى لنبيه ومباركته له فيما أعطاه.واستمر أبو هريرة في ملازمة الرسول الكريم يحفظ عنه ويسأل عن أشياء لا يسأله غيره عنها، وهو طيب النفس، قرير العين ، راضٍ بهذه الصحبة الكريمة إلا أن هناك امراً ظل يزعج أبا هريرة كلما عاد إلى منزله.
فإن أمه كانت مشركة وكان هو حريصا عليها، يدعوها في كل مرة للدخول في الإسلام وهي تأبى، وتمتنع ،وحار أبو هريرة في أمره کیف تحرم أمه نفسها من نعمة الإسلام، وكيف تمتنع عن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لقد كان يخشى عليها أن تموت على هذه الحال من الشرك فتكون من أصحاب النار .
إنه يحب أمه، وكذلك يحب دينه، ويحب النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يمكن أن يغلب حب أمه على حب الله ورسوله، كما لا يمكنه أن يستمر في الصبر على بقائها مشركة.
فصمم في احدى المرات أن يلح عليها في الدعوة لتدخل في الإسلام فدعاها وهو يرجو استجابتها إلا أنها لم ترفض فحسب، ولكنها أسمعته كلاما يكرهه بحق النبي صلى الله عليه وسلم فلم يطق سماعه، فخرج ولم يرد عليها بشيء، وانطلق إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ودموعه تسيل على خديه من شدة الحزن .فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم وقد رآه حزينا : ما يبكيك يا أبا هريرة ؟فقال أبو هريرة : يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى علي، فدعوتها اليوم، فأسمعتني فيك ما أكره ؟! وتوقف أبو هريرة عن الكلام ولكن دمعه لم يتوقف فهو لا يحتمل أن يسمع شيئا يكرهه في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ! فكيف تقول أمه ذلك فلو لم تكن أمه لما حزن هكذا، ثم قال للنبي في رجاء : ادع الله أن يهدي أمي يارسول الله!
فدعا لها ،وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد أم أبي هريرة .
واستأذن أبو هريرة، وانطلق إلى منزله، وقد خففت دعوة الرسول الكريم كثيرا من حزنه، فالرسول لم يحقد على أمه، ولم يدع عليها مع أنها قالت فيه ما قالت .وعندما وصل أبو هريرة إلى البيت وجد الباب مغلقاً وسمع صوت ماء من داخله وحين هم بالرجوع نادته أمه من الداخل وفتحت الباب له ولم يكن الماء قد جف عن رأسها بعد، استقبلته أمه بابتسامة عريضة وهي تنطق الشهادتين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .لم تسع الفرحة أبو هريرة فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي من شدة الفرح لإسلام أمه كما بكى من قبل حزناً عليها وعلى رفض الإسلام والنبي، ووقف بين يدي رسول الله والدموع تتلألأ في عينيه.وقال : أبشر يا رسول الله فقد استجاب الله دعائك وقد هدى أم أبي هريرة إلى الإسلام، فملأت الفرحة حياة أبي هريرة وعاش باراً بأمه ومحباً لها .