قصة إبنة الحداد
يحكى أنه فى قديم الزمان ، فى بلاد فارس كان للشاه الحاكم ولدًا وحيدًا إسمه فراس ، متكبرًا ومتعجرفًا على جميع من فى المملكه ، لدرجة أن أصبح الجميع يكرهونه ، وكان الشاه الحاكم متأثرًا لذلك ، خاصة أنه كان يريد أن يزوجه ، وكان الأمير ابن الشاه يرى أنه لا توجد أميرة أو فتاة فى المملكه ولا فى العالم تليق به ، لكي يعيرها اهتمامه وانتباهه .
وفى يوم من الايام ، كان الأمير الشاب فى طريق عودته من رحلة الصيد ، بعد أن اشتد به العطش ، فتوقف عند بئر بقرية لكي يشرب منه وفى هذه الأثناء اقتربت منه فتاة وسألته بسخرية واضحة أنت الأمير فراس ، أنت ذلك الأمير المتعجرف ، الذي يرى أنه لا فتاة فى العالم تليق بالزواج به ، تفوهت الفتاة بتلك الكلمات بسخرية وتهكم ثم انصرفت ضاحكة .
ظل الأمير صامتًا تمامًا وقد تبدلت ملامحه غضبًا ، ثم تابع سيره وقد مرت فى رأسه أفكار عن الإنتقام من هذه الفتاة ، ثم قرر الزواج من تلك الفتاة الوقحة ، وستضطر بالتالي لتقديم جزيل الإحترام له ، ثم سأل الأمير في القرية عنها وعلم أن إسمها سليمة وهي إبنة حداد فى القرية .
وعند عودة الأمير إلى القصر ، ذهب على الفور إلى أبيه الشاه ، وقال له أنه قرر الزواج من فتاة تدعى سليمة وهى إبنة حداد في القريه ورغم فرح الشاه بقرار إبنه فى الزواج ، إلا أنه كان يفضل أن يرتبط إبنه الأمير بأميرة من عرق نبيل ولكن سرعان ما أعطاه الشاه الموافقة وبالفعل أقيمت الاحتفالات الطنانه والضخمة لزواج الأمير .
وفى أول ليلة للأمير وعروسه إبنة الحداد ، وبعد انتهاء العرس دخل الأمير الغرفة وكان بيده سوط ، ينوى به ضرب سليمة إنتقامًا منها لتطاولها عليه ، وعندما رفع الأمير يده بالسوط وكان يهم بضربها أوقفته سليمة قائلة ، أنت أمير المملكة ولك كل الاحترام ، وتستطيع أن تتزوج أية فتاة فقيرة تريدها وتستطيع ضربها والإنتقام منها ، أما اذا كنت تزوجت بأميرة ما كنت ستفعل ذلك ، أما تخجل من نفسك ، كما أنك لا تستطيع الزواج بأميرة من عرق نبيل لأن أية أميرة سوف ترفض الإرتباط بك .
صمت الأمير فراس تمامًا ، فكلمات سليمة أثرت به جدًا ، فرمى السوط ، ثم خرج مسرعًا من الغرفة بل ومن القصر ، وذهب بعيدًا قاطعًا وعدًا فى نفسه ، أنه لن يعود الى القصر إلا برفقة أميرة .
سافر فراس بعيدًا ، وفى يوم من الأيام علم الأمير فراس ، أنه توجد أميرة شديدة الجمال في مملكة التتر ، تنتظر الزواج من شاب يتقدم منها ، ذهب الأمير فراس فورًا إلى تلك المملكة وطلب من الملك الزواج من إبنته الأميرة .
أعجب حاكم مملكة التتر بالشاب الشجاع ، وقال له إن كان يريد الزواج بابنته سوف يخضع لإختبارين وضعتهما الأميرة لمن يريد الزواج بها ، الأول أن يفوز عليها فى لعبة الشطرنج وإذا خسر سوف يحكم عليه بالسجن مدى الحياة ، والإختبار الثاني أنه سوف يقيم فى الحجرة المجاورة لحجرتها ويجعلها تتحدث ثلاث مرات فى الليل ، وإذا فشل فى ذلك سوف يحكم عليه بالموت .
قرر فراس بمنتهى التعجرف والكبر ، أن يخوض التجربة واثقًا من نفسه وفوزه ، فمن ذا الذي يستطيع أن يهزمه فى الشطرنج ، وما الذي يجعل فتاة تتحدث فى الليل ثلاث مرات ، ومع بداية الإختبار الأول فى الشطرنج ، لم يفهم فراس الأمير المتعجرف ماذا يحدث ،فكلما حرك قطعة أحس أنها تغير وضعها من مكان لمكان آخر غير مناسب ، فارتبك فراس حتى أنه خسر فى اللعبة ، وقالت له الأميرة متهكمة سوف تتعفن أنت الآخر كغيرك بالسجن .
وصلت أخبار فراس إلى زوجته سليمة ، وبعد أن علمت ما حل بزوجها قررت بقلبها الطيب الذهاب لتحرير زوجها ،حيث تنكرت بلبس فارس واتجهت نحو مدينة التتر، وفى أثناء ذهابها سمعت صوت صادر من النهر ، يطلب منها المساعده بصوت ضعيف ، وألح الصوت فى طلب المساعدة مقابل أن يساعدها هو أيضا فى مهمتها ، فتلفتت حولها فوجدت فأر يريد أن تنقذه من النهر ، فرفعته سليمة من ذيله وأخرجته من النهر .
وهنا قرر الفأر بالوفاء بوعده معها بعد إنقاذها له ، وقال لها أنه يعلم عن رحلتها للذهاب لإنقاذ زوجها ، وطلب منها الإصغاء إليه فهو يعلم حل إختبارات أميرة التتر ، فالأميرة المخادعة تضع قط غير مرئي فى قبعتها السحريه وتجعله يحرك قطع الشطرنج الخاصة بالخصم أثناء اللعب ، لذلك تربح هي دائمًا ، وطلب منها أخذه معها في رحلتها لكي يقدم لها المساعدة وبالفعل قررت سليمة أخذ الفأر معها مخبئة اياه فى جيبها .
فور وصول سليمة إلى مملكة التتر ذهبت إلى قصر الأميرة وخضعت للإختبار الأول ، لعبة الشطرنج وبعد قليل أخرجت سليمة الفأر من جيبها ، وما أن مرت دقيقه حتى اهتزت قطع الشطرنج وظهرت القطة بعد أن فقدت قبعتها السحريه لتطارد الفأر . إحمر وجه الأميرة خجلًا ، لأنه فضح أمرها وبعد أن زالت الخدعة تمكنت سليمة من الفوز .
وعندها صاح الملك أن الشاب الشجاع إستطاع الفوز ، وأنه سوف يخضع للإختبار الثاني ولكنه سوف يكلفه حياته فى حال الخسارة ، وجهزت الغرفة بالفعل للشاب وهنا أعدت سليمة خطة تجعل الأميره تتحدث لها ثلاث مرات فى الليل .
ومن غرفة سليمة وجهت حديثها للأميرة قائلة: أيتها الأميرة لماذا لا تستطيعين الكلام ؟ بالتأكيد لأنك حمقاء ، وهنا ردت الأميرة بغضب ردها الأول : أنت الأحمق فرحت سليمة لأن مخططها يسير على ما يرام .
ثم تابعت تكلمي وتشجعي ألا تريدين التحدث ، هذا يرجع لأنك كريهة وبغيضة ، فلم تتمكن الأميره من ضبط نفسها من الغضب فهي غير معتادة على توجيه مثل هذا الكلام إليها وردت فى الحال وبغضب ردها الثاني : أنت البغيض .
فتابعت سليمه مخططها ووجهت الكلام للأميرة تكلمي مرة ثالثه ، وهنا ظهر الفأر المختبئ في غرفة الأميرة تحت سريرها ، موجها لها الحديث أرجوكي أن تتكلمى أيتها الأميرة، وعند سماع الأميره لصوت الفأر قفزت من السرير مرتعبة تصرخ وتقول : من هذا الذي تحت سريري النجدة النجدة .
وهنا إنتصرت سليمة حيث جعلت الأميرة تتحدث ثلاث مرات ، وفى اليوم التالي أقيمت احتفالات زواج الأميرة، وقررت سليمة المتنكرة فى زى شاب ، أن تحرر جميع من تقدموا للزواج من الأميرة من السجن ، وبعد ذلك دعى الفارس الأمير فراس ليحضر أمام الزوجين ، وهنا كشفت سليمة عن هويتها ،
ووجهت كلامها الى الأمير فراس ، أنا التي فزت فيما فشلت به وأوجدت لك أميرة مناسبة تليق بالزواج بك ، أما أنا فأتخلى عن زواجي بك لأني أريد العودة إلى حياتي البسيطة ، وتزوج أنت هذه الأميره الجميلة ، ولكن لا تتصرفوا مرة أخرى بتعجرف وكبر ، لأن من يتصف بهذه الصفة لا يصلح أن يكون حاكم لمملكة .
ولقد غيرت التجربة التي مر بها الأمير فراس فجعلته متواضعا ، وتزوج الأمير فراس بأميرة التتر وعاشا حياة سعيدة وقد أصبح ملكًا حكيمًا ، ولم يتردد بالذهاب إلى سليمة بين الحين والآخر ، لأخذ رأيها إذا حيره أمر متعلقًا بمصلحة المملكة ، فقد وجد بها من الحكمة ما يكفي ، لأخذ مشورتها فيما يخص بمصلحة المملكة .