قصة الأب و بناته

كان هناك رجل عجوز جاء من منزله البعيد ، لزيارة ابنتيه نور وندى ،حيث كانت ابنته الأولى ندى  متزوجة من مزارع نشيط والثانية نور متزوجة من رجل يصنع الأواني الفخارية ، وكان زوج ابنته نور يحب العمل ويعمل بجد ،وكان يخرج ليرعى المزرعة حتى في أوقات الظهيرة الحارة ، ورغم الجهد الكثير كانت المزروعات لا تنمو جيداً .
كانت مزروعاته دائما  تجف من قلة المطر وشدة حرارة الطقس ، وجفاف الأرض يعني موت النباتات وعدم حصول ندى وزوجها على المحصول المطلوب وبيعه. كانت ندى تشعرت بالأسف على حال زوجها ،فهو يحمل أجران الماء الثقيلة ليسقى النباتات. وفي أحد الأيام ،جاء الأب ليطمئن على ابنته ويسألها إن كانت تريد شيء ما، فقالت له أنها حزينة وتتمنى فقط   أن تسقط السماء الأمطار ، حتى تنمو النباتات ولا يجف المحصول .
فخرج والدها في المساء وتطلع إلى السماء ، ودعى الى الله أن تسقط الأمطار حتى لا تخسر ابنته وزوجها محصول العام ، وما أن فرغ الأب من الدعاء حتى سقطت الأمطار بغزارة على البلدة ، وصاحت ندى في فرحة شديدة هي وزوجها ، وظلت ترقص تحت المطر فرحة وتقول : الحمد لله إنه المطر ، الحمد لله إنه المطر .
وبعد أن اطمأن الأب على ندى ، ترك المزرعة وذهب لزيارة ابنته الثانية نور ، وكان زوج ابنته نور يعمل في صنع الأواني الفخارية ، وكان غاضباً جداً من المطر فبهذا لن تجف مصنوعاته الفخارية ، وعندما دخل الأب رأى زوج ابنته غاضباً جداً .
سأل ابنته عن سبب غضب زوجها ، فقالت له : إنه المطر يا أبي ، أفسد عمل زوجي فكل الأواني الفخارية تحتاج لحرارة الشمس حتى تجف ،فحرارة الشمس القوية ضرورية لتشكيل الفخار. جلس الأب ليطمئن على ابنته ، ويسألها إن كانت تريد شيء ما .
قالت له نور : إن زوجي أصبح يائساً من عدم طلوع الشمس يا أبي ،ولو استمر سقوط المطر كهذا ستفسد الأواني الفخارية ، التي ظل شهوراً عديدة يصنعها ، ويشكلها ولن نستطع بيعها .
وقف الأب عند النافذة وتطلع إلى السماء ، ودعى الله أن تشرق الشمس وتتوقف الأمطار عن السقوط ، فتجف الأواني الفخارية وتسعد ابنته نور وزوجها ، وما أن فرغ الأب من الدعاء حتى ظهرت الشمس ، ولاحت بأشعتها اللامعة عبر نوافذ المنزل .
صاحت نور سعيدة : الحمد لله إنها الشمس ، وبدأت نور وزوجها في إعداد الفخار ، وإخراج الفخار أمام أشعة الشمس حتى يجف ، شعر الأب بسعادة كبيرة ، لرؤية ابنته وزوجها سعداء بالشمس وعاد إلى منزله .
وفى صباح اليوم التالي أتت ابنته ندى ، ومعها سلة كبيرة تحتوى على ما لذ وطاب من الفاكهة والخضروات ، وأعطتها لوالدها وقالت له : أنظر يا أبي ،  أنت خير علينا ، فمنذ أن أتيت عندنا والمطر ينزل كثيراً ، فارتوت الأرض ونمت النباتات ، وحصلنا على مزروعات كثيرة. وجاءت ابنته نور ، تحمل الأواني الفخارية لوالدها ، وقالت له : أنت مصدر الخير لنا ، فدعاك لنا جعلت الشمس تسطع ، وجفت الأواني الفخارية .
صاحت نور : هل أردته أن يدعو بسقوط المطر يا ندى!! كلا.. أدعو لنا يا أبي بعدم بسقوط المطر كل يوم  وأن تسطع الشمس بحرارتها كل يوم ، فصاحت ندى : كلا يا أبي أدعو لنا أن لا تتوقف الأمطار عن السقوط.
فقال الأب : أوقفوا الصياح ، واعلموا أن الاعتدال والتوازن أهم ما في الوجود ، وعليكما الاقتناع والرضا بعدالة الله ، واعلما أن الشمس والمطر لا غنى عنهما ، وأن الله يفعل ما يريد وإرادته هي الصالحة لنا .

Exit mobile version