يروى أن أسداً ضارياً كان يعيش وحيداً في غابة كثيفة الأشجار ، بعيداً عن جماعة الأسود ..وكان يقيم مع الأسد حيوان وحيد هو ابن آوى، فكان يخدمه، ويأكل من فضلات طعامه، ومضى على ذلك وقت طويل .حتى كان ذات يوم ، فأصاب الأسد ضعف وهزال شديدان ، فلم يعد قادرا على الخروج للصيد، ومطاردة الفرائس وقنصها، كما كان يحدث من قبل .وبسبب ذلك ازدادت حالة الأسد سوءا وضعفاً ، وكاد يهلك من الجوع، و كاد ابن آوى أيضا يهلك من الجوع مثل الأسد .
فقال للأسد : ما بك يا سيد الوحوش وزعيم السباع وملك الغابة قد تغيرت أحوالك، وهزل جسمك .أليس لهذا المرض الذي أصابك من علاج ولا دواء ؟!فقال الأسد : هذا المرض الذي أجهدني وهدني ليس له إلا دواء واحد .فقال ابن آوى : صف لي ذلك الدواء، وأنا أحضره لك في الحال يا سيد السباع .فقال الأسد : ليس لمرضي إلأ دواء واحد ، وهو أن آكل قلب حمار و أذنيه.فقال ابن آوى : هذا دواء سهل الحصول عليه يا سيد السباع، فأنا أعرف حماراً يملكه طحان، ويقيم في مكان قريب من هنا، سوف أذهب لأحتال عليه، ثم أتيك به إلى هنا لتأكل قلبه وأذنيه .أعجب ملك الغابة بالفكرة ووافق وطلب من ابن آوى أن ينفد فكرته فوراً .
انطلق ابن آوی برحلته إلى المكان الذي يقيم فيه الحمار مع صاحبه، وهو يفكر في حيلة يحتال بها على الحمار ، حتى يستدرجه إلى عرين الأسد، فيصيده ويأكل هو ما تبقى من الأسد .
وعندما اقترب ابن آوى من الطاحونة رأى الحمار واقفاً أمامها ينتظر خروج صاحبه ليحمله بالأحمال الثقيلة، فحيّاه وقال له : مالي أراك أيها الحمار ضعيفاً مهزولاً ، كأنك لم تأكل منذ سنة ؟!فقال الحمار : إن صاحبي يحملني بالأحمال الثقيلة، كل يوم من الصباح حتى المساء، ولا يطعمني إلا القليل .فقال ابن آوى : وكيف ترضى الإقامة معه على هذا الذل والجوع ؟!
فقال الحمار : ليس لي حيلة في الهرب، ثم إن الإقامة مع هذا الطحان أفضل من غيره، لم يأخذني إنسان إلا أضر بي أشد الضرر ، وحملني فوق طاقتي .فقال ابن آوى : أستطيع أن أدلك على مكان معزول عن الناس ، لا يمر به إنسان .مكان مليء بالمرعى الخصب ، يعيش فيه قطيع من الحمير، لم أر مثلها سمناً ولا شبعاً في حياتي .فقال الحمار : إذا فعلت ذلك سأكون شاكراً لك ما حييت .فقال ابن آوى : لا شكر بين الإخوان يا أخي، هيا بنا معي يا صديقي .
وانطلق ابن آوى مع الحمار، حتى وصلا إلى الغابة، التي يقيم فيها الأسد، وأخذ الحمار يرعى، بينما تقدم ابن آوى إلى مخبأ الأسد، فأخبره بمكان الحمار .وخرج الأسد إلى الحمار ، فأراد أن يثب عليه ليقتله، لكن ضعفه الشديد منعه، وأسرع الحمار يجري هلعاً .فقال ابن آوى للأسد : هل عجزت عن صيد الحمار يا ملك الغابة ؟!فقال الأسد : إن أحضرته مرة أخرى ، فلن ينجو مني .فذهب ابن آوى إلى الحمار وقال له : ما الذي جرى لك ؟!إن أحد الحمير قد رآك غريبا عن المكان، فخرج يستقبلك ويرحب بك، لوثبت له لأخذك ومضى بك إلى أصحابه من الحمير .ولم يكن الحمار قد رأى أسداً قبل ذلك، فصدق كلام ابن آوى، وعاد معه إلى الأسد مرة أخرى .
وفي هذه المرة استجمع الأسد كل قوته، فوثب على الحمار بشدة وقتله .ثم قال لابن آوى : احرس هذا الحمار، حتى أغسل دمه من جسمي وأعود لأكل قلبه وأذنيه وأنا مستمتع، فإنني أرجو الشفاء فيهما .فلما ذهب الأسد ليغتسل ، أكل ابن آوى قلب الحمار وأذنيه، رجاء أن يتشاءم الأسد ، ويترك له الحمار كله ليأكله هو وحدة .وعندما عاد الأسد قال لابن آوى : أين قلب الحمار وأذناه ؟!فقال ابن آوى : ألم تعلم يا سيد السباع أن هذا الحمار لو كان له قلب يفقه به وأذنان يسمع بهما، لم يكن ليرجع إليك لتفترسه بعدما أُفلت منك وكتبت له النجاة في المرة الأولى