قصة الحاجة لي فيما عندك
يروى أن أحمد بن الحسين، قال سمعت القاضي أبا عبد الله المحاملي يقول، صليت صلاة العيد يوم عيد الفطر في جامع المدينة، فلما انصرفت قلت في نفسي : أدخل على داود بن علي أهنيه بحلول العيد .قال، كان يُنزل قطيعة الربيع، فجئته وقرعت عليه الباب، فأذن لي.
قال: فدخلت وإذ بين يديه طبق فيه أوراق هندباء، وغضارة فيها نخالة، وهو يأكل ،فهنيته بالعيد، وتعجبت من حاله، فرأيت أن جميع ما نحن فيه من الدنيا ليس بشيء، فخرجت من عنده، ودخلت على رجل يُعرف بالجرجاني.فلما علم الجرجاني بقدومي، خرج حاسر الرأس حافي القدمين، وقال لي: ما أتعب القاضي أيده الله ؟فقلت : أمر مهم.قال : ما هو ؟ قلت : في جوارك داود بن علي، ومكانه من العلم معلوم، وأنت كثير الرغبة في الخير تغفل عنه، وحدثته بما رأيت منه .
فقال لي إن داود شرس الخلق، وأود أن أعلم القاضي إني وجهت إليه البارحة ألف درهم مع غلام لي ليستعين بها في بعض أموره .فردها وقال للغلام، قل له بأي عين رأيتني، وما الذي بلغك في حاجتي حتى وجهت إلي بهذا ؟! قال : فتعجبت من ذلك.
قال : ثم قلت له، أما الدراهم فإني أحملها إليه أنا .فدعي بها ،ودفعها إلي، ثم قال: يا غلام، ناولني الكيس الآخر، فجاءه بكيس.فوزن ألفاً أخرى : وقال تلك له وهذه لموضع القاضي وعنانة.
قال، فأخذت الألفين، وجئت إليه، فقرعت بابه، فخرج، وكلمني من وراء الباب.وقال : ماذا يريد القاضي !!قلت : حاجة أكلمك فيها، فدخلت وجلست ساعة، ثم أخرجت الدراهم، وجعلتها بين يديه .فقال : هل هذا جزاء من ائتمنك على سره، إنما ادخلتك إلي بأمانة العلم، ارجع فلا حاجة لي فيما معك.
قال المحاملي : فرجعت وقد صغرت الدنيا في عيني، ودخلت على الجرجاني فأخبرته بما كان .
فقال : أما أنا فقد أخرجت هذه الدراهم لله عز وجل، فلا ترجع إلى مالي أبداً، فليتولى القاضي إخراجها على أهل السير والعفاف وعلى من يستحقها .