يُحكى أن رجلاً هرِماً، اشتد به المرض، فدعا ولديه، وقال لهما :ياولدي : لقد تركتُ لكما أرضاً، وهذا الكيس من الذهبِ ، فَلْيختر كل منكما ما يشاء .قالَ الولدُ الأصغر : أنا آخذُ الذهب .وقالَ الولدُ الأكبر : وأنا آخذُ الأرض .
ومات الأب بعد أيام، فحزن الولدان كثيراً، ثم أخذ كل واحدٍ نصيبه، من ثروة أبيه، وبدأ الولدُ الأكبر، يعمل في الأرض، يبذرُ في ترابها القمح، فتعطيه كل حبّةٍ سنبلةً، في كلِّ سنبلةٍ مئةُ حبة، وبعدما يحصدُ القمحَ، يزرعُ موسماً آخر، وثروته تزدادُ يوماً بعد يوم.
أمّا الولدُ الأصغر، فقد أخذَ ينفقُ من الذهب، شيئاً بعد شيء، والذهبُ ينقصُ يوماً بعد يوم، وذاتَ مرّةٍ، فتحَ الكيسَ، فوجدهُ فارغاً !ذهب إلى أخيه، وقال له وهو محزون : لقد نفدَ الذهبُ الذي أخذتهُ، أمَّا ما أخذتُهً أنا فلا ينفدُ أبداً .قال الأصغر : وهل أخذْتَ غيرَ أرضٍ مملوءةٍ بالتراب ؟!أخرجَ الأخُ الأكبرُ، كيساً من الذهب، وقال : ترابُ الأرضِ، أعطاني هذا الذهبقال الأخُ الأصغر ساخراً : وهل يعطي الترابُ ذهباً ؟!غضبَ أخوه ،وقال : الخبزُ الذي تأكُلهُ، من تراب الأرض والثوبُ الذي تلبسُهُ، من تراب الأرض .
خجل الأخُ الأصغر، وتابعَ الأكبرُ كلامه والثمارُ الحلوةُ، من ترابِ الأرض والأزهارُ العاطرةُ، من تراب الأرض ودماءُ عروقك ،من ترابِ الأرض .
قال الأخ الأصغر : ما أكثرَ غبائي وجهلي !!فقال الأخ الأكبر : لا تحزن يا أخي !
كيف لا أحزنُ، وقد أضعْتُ كل شيء ؟!إذا ذهبَ الذهبُ، فالأرضُ باقية، الأرضُ لك، وأنتَ أوْلى بها .دَعْكَ من هذا الكلام، وهيّا معي إلى الأرض ،ذهبَ الإخوة إلى الأرض، فوجدا القطنَ الأبيضَ، يميلُ فوقها ويلمع .
امتلأ الإخوة فرحاً ،وهتفَ الأخُ الأصغرُ :
يا أرضَنا الكريمة … يا منبع العطاءيا أمَّنا الحبيبة …. نفديكِ بالدماء