قصة الرجولة في الصبر
يروى عن طفل يتيم عاش برفقة عمه حتى بلغ من العمر ستة عشر عاماً، ثم طلب من عمه الزواج من ابنته التي كان يحبها ،فقال له عمه عندما تكبر وتصبح رجلاً و الرجولة في الصبر .
مرت الأيام والشهور والسنين وأصبح عمر الفتى عشرين عاماً ،فعاد وطلب من عمه الزواج مرة ثانية من ابنته .فقال له عمه أيضا : عندما تكبر وتصبح رجلاً و الرجولة في الصبر .ثم عندما بلغ الفتى الثالثة والعشرين عاماً طلب منه للمرة الثالثة يد ابنة عمه .كان رد عمه ككل مرة عندما تكبر وتصبح رجلاً و الرجولة في الصبر .هذه المرة ترك اليتيم بيت عمه، وخرج يائساً هائماً على وجهه في الصحراء، وفي أحد الأيام رزقه الله بعمل، مربح وظل طوال سنتين يعمل ليلاً ونهاراً وكان دائم التفكير في عمه وابنة عمه، وفي هذه الفترة كان قد جمع أكثر مما جمع في بيت عمه بأضعاف مضاعفة .وفي يوم من ذات الأيام ،رجع اليتيم إلى عمه فرحاً ، معتقداً أن عمه سيزوجه ابنته ، وأنه أصبح رجلا .فأعطى كل ما جمع من مال إلى عمه، وطلب منه ابنته مرة أخرى .فقال له : عندما تكبر وتصبح رجلاً و الرجولة في الصبر .
خرج اليتيم من بيت عمه مرة ثانية، حزيناً حائراً هائماً على وجهه، يكابد حرارة الصحراء وآلام الجوع والعطش، فعثر في طريقه على بئر ماء كان لبيت لأعرابي في الصحراء .وقد بلغ منه العطش مبلغه، اقترب اليتيم من البئر، فإذا بقربة ماء معلقة في الظل يداعبها الهواء، نادى اليتيم على صاحب البئر، لعله يُبل عروقه ولو بقليل من الماء .فخرجت إليه ابنة صاحب البئر، استأذن اليتيم من الفتاة أن يشرب من الماء فأذنت له، وعندما أمسك بقربة الماء، ووضعها بين شفتيه، وقد شرب رشفة من الماء البارد، فجأة جاءت الفتاة واختطفت القربة من بين شفتيه، عَجب اليتيم واحتار في أمرها أشد العجب والحيرة، كيف تخطف من فمه قربة الماء وهو يعاني من عطش الصحراء معاناة شديدة !فطلبت الفتاة من اليتيم أن يدخل ديوان والدها الغائب عن البيت، وقدمت له شاة وأحسنت ضيافته، وأكرمت نزله، كأفضل ما يكرم العربي ضيفه .
ثم جاءت له بعد ذلك بقربة الماء، وطلبت منه أن يشرب الآن كما يريد، أكل اليتيم وشرب وحمد الله وشكر فضله .سأل اليتيم الفتاة : لماذا رفعت القربة عن فمي وأنا شديد العطش !!أجابت الفتاة : إن الرجولة في الصبر .قال اليتيم : أنني أبحث عن هذه الجملة منذ عشر سنين ولم أيأس، لقد بعثت ِ الحياة بداخلي من جديد، فما تفسيرها أيتها الفتاة ؟ .قالت له : لو شربت من ماء القربة حتى ارتويت لما أكلت من الطعام الذي أعددته لك كما أكلت الآن، فالرجولة في الصبر .
سألها اليتيم : أين أبوك ؟قالت له : إن أبي يسقي الماء بالماء !
ثم سألها : أين أمك ؟قالت : أمي تخرج كل يوم لتغضب الله !ثم سألها : أين أخوك ؟ قالت أخي يشاجر الهواء !قال لها : إنني أسمع منك كلاماً عجباً، فهل من تفسير لما تقولين ؟قالت : نعم لك ذلك، أما أبي الذي يسقي الماء بالماء، فهو يمتلك مزرعة زرعها بنبات البطيخ، والبطيخ ماء يرويه أبي بالماء.
وأما أمي التي تغضب ربها، فتذهب كل يوم إلى المقبرة، تبكي على ولد لها، أخذ الله وداعته، ثم تعود لاطمة خديها، ناشرة شعرها، ممزقة ثيابها .وأما أخي الذي يشاجر الهواء، فهو يخرج إلى الغابات كل يوم يصيد الغزلان والأرانب وما شاء الله له من رزق الصيد، وإنني هنا كما تراني وحيدة صابرة في البيت، وعلى الرغم من أنني أنثى، فإنني أصبر صبر الرجال، فالرجولة في الصبر .استأذنها اليتيم بالانصراف ثم انصرفن، وعاد إلى عمه يطلب ابنته من جديد .وعندما قابل العم ابن أخيه اليتيم قال له : أين المال ؟قال اليتيم : لا يوجد معي مالا .قال العم : فأين الرجولة إذن ؟قال اليتيم : الرجولة في الصبر .قال العم : الآن أزوجك ابنتي فالمال لا يخلق رجالاً بل إن الصبر هو الذي يخلق الرجال ولك مني فوق ابنتي مزرعةً كبيرةً وبيتاً وقطيعاً من الحلال .
أما الرجولة في الصبر فقال تعالى :(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )