قصة السلطان والفئران
يحكى أنه كان فيما كان في سابق الزمان، كان هناك سلطان بلغ من القوة ما لم يصله سلطان، فكان رمزاً للقوة و العطاء و البطش و السماح .عاش السلطان طويلاً حتى بلغ من العمر أرذله فدانت له الممالك والمماليك و أنجب العشرات من البنين و الأحفاد لكن الدنيا طبعاً لا تدوم بحال .فقد تقدم عمر السلطان و خشى على المُلك من بعده، احتار السلطان من يولى من بعده فأولاده و أحفاده بالعشرات .فكر السلطان كثيرا و لم يجد إلا أن يستشير حكيم الزمان الذي كان عوناً له كثيراً على مر الأعوام .
فحضر الحكيم على عجل و دون أن ينطق السلطان .قال الحكيم للسلطان لابد أنك مهموم بمن يرعى ما أنجزت على مر الزمان ؟اندهش السلطان و تنهد طويلاٍ و قال نعم يا حكيم الزمان أرجوك أن تشير علي ماذا أفعل حيال هذا الأمر ؟قال الحكيم : اجمع من يمكن أن يليك من الأمراء و أخبرهم أنك ستولِّى منهم من يستطيع أن يجمع مائة فأراً فى صندوق !! و سأتركك تعرف السبب من الأمير الذى ينجح في ذلك .
رغم غرابة الطلب إلا أن ثقة السلطان بالحكيم و ما استفاده منه على مر السنين جعله يطلب عقد اجتماع لأبنائه وأحفاده من الأمراء .وحضر كل الأمراء المطلوبين على وجه السرعة ،فلم يكن من عادة السلطان أن يجتمع بهم جميعاً.
استمعوا لطلب السلطان و استغربوا طلبه ،لكن لم يكن أحد منهم يجرؤ على المناقشة أو الاعتراض و انصرف الجميع ما بين متفائل ومتأمل و متعجب و متحير ،لكن عرض الجائزة كان مغرياً للجميع أن يبحث و يفكر في الوسيلة.مر يوم ثم يومين ثم ثلاثة و لا توجد أية أخبار عن نجاح أي أمير في المهمة ،زاد الشك في نفس السلطان عندما عاد بعض الأمراء يشتكون أن الفئران إما تتصارع و تموت داخل الصندوق ، وإما تقرضه وتخرقه وتفر هاربة.ظل الوضع هكذا لعدة أيام، حتى كان اليوم العاشر حين دخل عليه أحد الأمراء يحمل صندوقاً به الفئران المطلوبة.
انفرجت أسارير الملك و لكنه تذكر قول الحكيم أن يسأل الفائز عن كيف جمع تلك الفئران و كيف حافظ عليها على مدار الأيام حتى وصل بها للقصر .فأجاب الأمير: أدام الله عمر السلطان، لقد فكرت كثيراً يا مولاي فوجدت أن صيد الفئران قد يكون أمراً سهلاً لكن عند وضعها في الصندوق لا بد من أن تموت الفئران أو تتمرد أو تفر من الحبس .
لذا جمعتها في الصندوق وأغلقته من الأعلى ،وحملته على كتفي ،وكلما سكنت هززت الصندوق بقوة فتظن أن أمل إطلاقها بات وشيكاً، وأن النور سوف يأتي، ثم أواصل المسير، وكلما شعرت بأن التعب والجوع أصابها، جلست تحت شجرة، وألقيت في الصندوق قطعة جبن واحدة .
هنا قاطعه الملك قائلاً : ولماذا قطعة جبن واحدة ؟!
فأجاب الأمير : القطعة الواحدة ستوفر لي كل ما أريده، فالفئران كانت تتصارع عليها لجوعها الشديد، وبالتالي تنشغل بها ساعات طويلة، فتنسى تعبها ورغبتها في الحصول على الحرية، ثم إنها تسد رمقها وتضمن بقاءها حية، وكذلك تلهيها عن قرض الصندوق ، وأخيراً تمنحها الأمل في الحصول على قطع أخرى من الجبن، فتظل أبصارها معلقة على فتحة الصندوق ومن يحمل الصندوق ومن يملك الجبن .وهكذا وصلت إليكم يا مولاي بمائة فأر بالتمام و الكمال .
نظر السلطان للأمير بإعجاب شديد، و هنأه بتعيينه ولياً للعهد، وحضر حكيم الزمان وقام بتهنئة الأمير و السلطان، فقدم له السلطان كل الشكر و الامتنان .سكت الحكيم و قال موجها كلامه للأمير : لقد أبديت من الحكمة و الذكاء ما عجز عنه غيرك و تمكنت من جمع الفئران و السيطرة عليها، ثم صمت حكيم الزمان قليلاً و جعل الكل يلتفت إليه ،ثم أردف قائلاً : لكن لابد أن تعي أيها الأمير أن هناك من الفئران من هرب منك، هؤلاء إما أنهم يدركون فكرة الصندوق و يرفضونها تماماً و إما أنهم يملكون القوة التي تمكنهم من الهرب.
هؤلاء أيها الأمير هم من بيدهم استقرار أمرك أو هلاكك فإن أحسنت تدبر أمرهم رفعوك و رفعوا البلاد معك، و إن أنت لم تعمل لهم حساباً ،أثاروا لك القلاقل و كانت مواجهتهم بداية السقوط .