قصة الطفل الذي يكتم سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
يروى في قديم الزمان عن طفل اسمه أنس كان هذا الطفل من أسعد الأطفال في عصره وربما من أسعد أطفال العالم، فقد أتيحت له فرصة أن يعيش طفولته ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له مع النبي مواقف وقصص رائعة .ذات يوم انطلقت أمه به وكان عمره عشر سنوات إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة فقالت له : ” یا رسول الله أقبل ابني هذا معك، فخذه فليخدمك ما بدا لك ، فقبله الرسول من بين عينيه ودعا له قائلا: ” اللهم أكثر ماله وولده وبارك له، وأدخله الجنة” .
إنه الصحابي الجليل ” خادم النبي ” أنس بن مالك بن النضر الأنصاري رضي الله عنه وأمه اسمها الرميصاء أم سليم بنت ملحان الأنصارية – رضي الله عنها.
روى الصحابي أنس بن مالك كثيرا من أحاديث الرسول ويعد أحد أكبر صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم رواية للحديث النبوي الشريف، فقد روي عن النبي ما يزيد على : ( 2200) من الأحاديث، وروي عنه ما يزيد على : ( 50 ) من الصحابة والتابعين .
يرى أنه عندما أتت به أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخدمه، أخبرته صلى الله عليه وسلم أنه كاتب، وهذه الميزة العظيمة لم تكن متوفرة إلا في النفر القليل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مما يدل على فطنة أنس رضي الله عنه وذكائه منذ الصغر، فقد كان حينها لم يتجاوز العاشرة من عمره، وقد كان هذا الذكاء وهذه الفطنة من الأهمية بمكان؛ إذ حفظ رضي الله عنه وفَقِه وتعلّم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قيل أنه في المرتبة الثالثة بعد ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما في كثرة الأحاديث التي رواها وحفظها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون حديثًا، اتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثًا، وانفرد البخاري بثمانين حديثًا، ومسلم بتسعين حديثًا.ومن ذلك اليوم ارتبط أنس بن مالك بالرسول من يلازمه معظم الأوقات، ولقد امتلأ قلبه بحب النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقول : ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي ” يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ” .
وقد أحبت أسرة أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديداً، وكانت لأسرته في قلب رسول الله منزلة خاصة، فأمه أم سليم، وخالته أم حرام بنت ملحان، وعمه أنس بن النضر بطل غزوة أحد، وعمته الربيع بنت النضر.
صحب أنس النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكتشف يوما بعد يوم جوانب من عظمته روى الترمذي بسنده عن أنس رضي الله عنه قال ذات يوم : “خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قَط، وما قال لشيء صنعته لِمَ صنعته، ولا لشيء تركته لِمَ تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزًّا قط ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكًا قطُّ ولا عطرًا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
يروى عن صفوان بن هبيرة، عن أبيه قال: قال لي ثابت البناني: قال لي أنس بن مالك رضي الله عنه: هذه شعرة من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضعها تحت لساني، قال: فوضعتها تحت لسانه، فدُفن وهي تحت لسانه.توفي أنس بن مالك سنة :(91 هـ )، وهو يرجو من الله أن يجمعه يوم القيامة بالرسول ليقول له: یا رسول الله هذا خويدمك أنيس .
ومن هنا نفهم افتخار أنس بلقب خادم الرسول طوال حياته، فقد اقترب من الرسول الإنسان فبهرته شخصيته وتواضعه، وكان أنس يمتاز بقدرته على الكتابة، وهو ما مكنه من أن يكون أحد كتاب الرسول .