قصة الغابة و المدينة
خرج النمر طلعون إلى أطراف الغابة ليمارس رياضة المشي، ويستنشق الهواء البارد ، ولما اقترب من المدينة المجاورة وصلت أصوات الناس والسيارات إلى سمع النمر طلعون ، فحمله حب الاستطلاع على الخروج إلى حدود الغابة ، ليرى ماذا يدور في المدينة ويستطلع الأمر .
لما خرج النمر طلعون ، فاجأه ما رآه من سيارات ذات ألوان مختلفة ، تسير في سرعة ذهابا وإيابا ، ورأى الناس يلبسون ثيابا جميلة ، ويعيشون في بيوت عالية .
تقدم النمر طلعون إلى داخل المدينة قليلا فوجد رجلا يسير على جانب الطريق، فتقدم منه وحاول الحديث إليه ، ولكن بمجرد أن رآه الرجل فرّ هاربًا ، والرعب يملؤه ، فناداه النمر طلعون : لماذا تخاف مني؟ فقال الرجل : أخاف من أن تأكلني .
لا تخف مني، فما جئت لأكل أو افترس.
لما جئت إذن ؟
جئت أستطلع مدينتكم ، فأنا أسكن الغابة المجاورة لكم ، وهذه أول مرة أخرج من الغابة إلى مدينتكم ، لقد أعجبتني السيارات بألوانها ، والمباني العالية ، كما اعجبتني أيضًا ملابسكم الجميلة ، إنكم حقًا تعيشون في سعادة عظيمة .
وماذا عن حياتكم في الغابة ؟
إنها حياة كلها شقاء وتعب، نخرج في الصباح لطلب الرزق في الأرض ، وفوق الأشجار ، ومطاردة الفرائس ، والكل يحمل رزقه على ظهره ، عائدًا إلى بيته لإطعام صغاره ، فيعود آخر النهار منهكًا متعبًا ، ولا شيء يحمي الحيوانات من البرد والمطر ، أما أنتم فبيوتكم تحميكم ، وملابسكم تدفئكم ، ألا ما أسعد حياتكم وأتعس حياتنا !
ليست حياتنا بالسعادة التي تتصورها أيها النمر ، وإنما هناك أشياء كثيرة تجعل حياتنا مليئة بالشقاء و….
قاطعه النمر بغضب قائلاً : لا تحاول خداعي أيها الرجل ، فلن أحسدكم في شيء ، ولم آت لأستقر في مدينتكم ، أو أستولي على بيت أحد،
أنا لا أخدعك ، ولكنها الحقيقة ، وإذا أردت أن تستطلع الأمر بنفسك فلك ذلك .
نعم أريد أن استطلع الأمر بنفسي .
ولكن عدني أولاً ألا تؤذي أحداً مهما أثار غضبك وأياً كان الموقف
أعدك ، لك ذلك .
سار الرجل ومعه النمر طلعون إلى أحد المتاجر الكبيرة الخاصة بالمواد الغذائية ، ولما اقترب النمر طلعون من الناس أصابهم الرعب ، فطمأنهم الرجل أن النمر لن يؤذي أحداً، وإنما جاء فقط مستطلعًا … وفي المتجر رأى النمر طلعون الناس يحملون كميات كبيرة من البضائع ، ويضعونها في سيارتهم ، فسأل رفيقة : هل يأكل الناس كل هذه الأغذية ؟
نعم يأكلونها فتصيبهم بالتخمة والسمنة والأمراض .
إن الحيوانات في الغابة يأكلون ما يكفيهم ويدعون الباقي لغيرهم من الحيوانات .
أما نحن البشر فنأكل أكثر من حاجتنا ، ولا نسأل عن غيرنا .
وأخذا يسيران في الشارع ليشهدا المدينة معًا ، فمرت سيارة ونفثت كمية كبيرة من الدخان ، فكاد النمر طلعون ورفيقه أن يختنقا وظلا يسعلان …قال الرجل : هل يوجد مثل هذا في غابتكم ؟
إن الهواء في غابتنا نقي ونظيف .
وأكمل الرفيقان سيرهما في الطريق ، فوجدا رجلين يتشاحنان ويتشاجران ، وقد ملأ وجههما الغضب ، وبعد أن طمأنهما الرجل كالعادة سألهما النمر : لما هذا التشاجر والغضب ؟
إنه يريد أن يأخذ مكان سيارتي ؟
ألا يوجد مكان آخر ؟
بلى يوجد لأحدكما أن يؤثر الآخر اليوم ، وغداً تتبادلان الأماكن …صاح كل منهما في غضب شديد قائلاً : لا ، لن أترك له المكان في أي وقت ، واشتعل الموقف ، وتطاول الرجلان بالأيدي واللسان ، والنمر يقف مذهولاً ، وكيف لهؤلاء الناس – ذوي العقول – أن يفشلوا في حل هذه المشاكل البسيطة ؟
قال الرجل المرافق للنمر : ما رأيك يا نمر طلعون ؟
إن خلافاً لهذا السبب البسيط قد لا يحدث في الغابة …
وانصرفا ، وطوال اليوم تتكرر المواقف ومعها يتكرر تعجب النمر مما يرى من أحوال الناس … وفي نهاية اليوم قال الرجل للنمر : هل تريد أن تقول شيئًا ؟ … فقال النمر طلعون : نعم ، لقد أشفقت عليكم معشر البشر ، إن هذه الألوان الزاهية تخفي ورائها شقاء قاتمًا ، وإن هؤلاء الناس الذين تحمل السيارات أثقالهم ، يحملون همومًا أكثر حملاً مما نتحمله نحن في الغابة من غذاء وصيد ، بل إننا نعيش في الغابة لحظات من الصفاء والسعادة واللعب والهدوء لم أر أحداً منكم أيها البشر يعيشها .
والآن ماذا ستفعل ؟
سوف أعود إلى جنتي ، أقصد غابتي ، وأترك جحيمكم ، أقصد مدينتكم .
المؤلف/ عبد الله محمد عبد المعطي