قيل أن عجوزاً غني جداً مشهور بالبخل الشديد، حيث كان يكره الناس كرهاً شديداً، و قد بلغ الرجل من الكبر عتيا حيث شهد تنصيب أكثر من ملك.
و كان الناس في ذلك الزمان معدمين، مقهورين و مظلومين ومغلوبين على أنفسهم، وكان الناس بأمس الحاجة إلى ملك يحكمهم بعدل و إحسان و يحوّل حياتهم من حزن و كآبة إلى تعفف و نجاح و كانوا بطبيعة الأمر يحقدون حقداً كبيراً على الأغنياء البخلاء الذين تمركزوا في قصورهم يأكلون و يشربون و ينامون بعيداً عن مآسي الناس و حزنهم، و لا يهتمون بأمور الناس .
و بعد مدة طويلة هيأ الله سبحانه و تعالى لهذه المدينة ملكاً و أميراً من أبناء جلدتهم يشعر بشعورهم و صعد إلى الحكم و بدأ يحسن إلى الناس و لأنه كان في يوم من الأيام فقيراً معدماً فقد كان يحقد على الأغنياء حقداً كبيراً .فأخذ يستدعيهم واحداً واحداً حتى وصل الدور إلى عجوزنا البخيل .
قال الملك إلى الغني البخيل : هل سمعت بالقرار الذي أصدرته بشأن الأغنياء ؟
أجاب الغني بشيء من الارتياح و الثقة : ماذا ؟
قال الملك : لقد قررت أن أصدر قراراً لا رجعة عنه بأن ينفق كل غني ثلاثة أرباع أموالهم التي مسجلة عندنا قبل فجر الجمعة و كما تعلم فإن اليوم هو الثلاثاء و إلا ” فتوقف الملك و كأنه يريد أن يرفض الغني فيدق عنقه” .قال الغني : و إلا ماذا ؟قال : سيشنق من يعارض أمر الملك !قال الغني : سمعاً وطاعة يا جلالة الملك .فقال الملك : لا تنسى أنت تجلب لنا ما يوثق إنفاق أموالك و إلا سنعتبرك كاذباً .
انصرف الغني وكأن جبلاً من الهموم على صدره، واحدٌ وثمانون عاماً و هو يجمع بماله، ينفقه هدراً على الحثالة في نظره ؟ثم قال في نفسه : و يحك يا غبيّ، حياتك متوقفة على هذين اليومين و أنت مازلت تفكّر !!لن يفلح ذكائك هذه المرة، ماذا بقي لك من الدنيا ؟ انصرف و تخلص من هذا المال لعلّ الناس يحبوك بعد هذا الأمر !!
في صباح اليوم التالي جمع الغني ثلاثة أرباع أمواله في مقصورة و مشى بهما في وسط المدينة و بما أن شرط هذا القرار المؤسف بالنسبة للبخيل ينص على أن الغني يجب أن يتبرع بالأموال بنفسه دون مساعدة الآخرين، قاد البخيل المقصورة بنفسه .وعندما وصل إلى وسط المدينة نزل من المقصورة و هو واثق من نفسه، فرأى طفلاً يلعب بالرمال، فأخذ مئة ألف دينار من مقصورته و نادى الطفل لكي يأخذها، لكن الطفل رفض ذلك
وقال : أبي طلب مني أن لا آخذ مالاً من أحد .فقال الغني في نفسه : يالك من غبي الأطفال لا يعرفون قيمة المال .فانطلق البخيل إلى بائع أواني فخارية و قال له : خذ هذه الأموال لك !فقال صانع الفخار في نفسه : سبحان الله، أيتحول الرجل البخيل إلى كريم بهذه السرعة .ثم قال للعجوز الغني : أتستهزأ بي ؟ أنت الذي كنت تخاف على القرش و تمنع الصدقة !!تتصدق ؟ اذهب و اغرب عن وجهي و دعني أكمل عملي مصدر رزقي .
انطلق البخيل مسرعاً مغتاظاً، و توجه بمقصورته إلى مكان آخر، و هناك صادف رجلاً عجوزاً، بائع مياه على ما يبدو، و قال له : خذ يا هذا، هذه الأموال لك !
فقال العجوز : لا أصدق أنه يصدر منك قرشاً بهذه السهولة، و الله لأنها أموالٌ مسروقة تريد أن تبليني بها .
غضب البخيل و شتم العجوز في نفسه و ذهب إلى امرأة فقيرة .فقال لها : خذي هذا المال تصلحين به أحوالك و أحوال عائلتك !
فقالت المرأة : ماذا ؟ أمرٌ لا يصدّق فوالله الذي لا إله إلا هو أنها أموالٌ مزورة و نحن يكفينا الذي في أنفسنا !
فانطلق الغني إلى رجل دين و أخذ هذه المرة مليون دينار لأن الشمس بدأت بالمغيب و الناس سوف يرجعون إلى بيوتهم وهو حتى هذه اللحظة لم يتصدق بشيء .فصاح رجل الدين : من الطبيعي أن هذه الأموال أموال حرام، و أنت تريد أن تتخلص منها إذهب فالفقراء يستغنون عن مالك و عن سؤالك !
استمر الحال مع البخيل، حتى أصبح يتوسل إلى الناس من أجل أن يأخذوا المال، لكنهم ازدادوا له تحقيراً و شتماً و ضربوه بالحجارة .و عند فجر الجمعة، جاء الجنود وهم يمسكون الرجل و يجرّونه للملك !فسأل الملك البخيل : ماذا أنفقت من مالك ؟فقال العجوز البخيل : لا شيء يا جلالة الملك، و لكن لو تمهلني يوما.قاطعه الملك بغضب : اصمت لقد خالفت قرار الملك لذلك تستحق الشنق .فنادى جنوده لسجن العجوز البخيل، لكن البخيل وقع أرضا مغشياً عليه وعندما نقلوه لبيته أخد يصيح الموت الموت وما أن وصلوا به لداره حتى فارق الحياة .أُصدر قرار بجمع كل أمواله و توزيعها على الشعب لأنه لا وريث له .
وقال الملك لم أكن لأحكم عليه بالشنق كما قلت، ولكن أمر الله نفذ .
إن مثل هذا الرجل الغني “البخيل” كمثل العبد العاصي أخذ يلهو في حياته الدنيا و يعصي الله و لما وصل إلى آخر حياته ، تذكر أنه فاته الكثير، و أخذ يعمل و يعمل لكنه لم يستطع، و رفض عمله، و جاءت سكرة موته و هو لم يعمل أي شيء، فخسر دنياه و آخرته وكان من الهالكين ! فاعتبروا يا أولي الألباب