قصة المغامر الجريء
كان في سالف الزمان ، عظيم من العظماء يعيش في قرية قريبة من شاطئ البحر ، ويمتلك فيها المزارع الواسعة الجميلة ، وكان لهذا العظيم إبن بهي الطلة، أسود الشعر ، ممشوق القامة ، قوي البنية إسمه أنور ، ولكن أهل القرية لقبوه بأنور الشجاع ؛ لأنهم رأوه ذات يومًا يصارع ذئب وهو في الثانية عشر من عمره ، فقد هجم الذئب على مراعي والده، فقتله الصبي بفأس في يده .
وذات يوم لبس أنور ملابس السفر وقال لوالده يا أبي لقد بلغت السادسة عشرة من عمري ، وأود أن أجرب حظي في الحياة ، فأذن لي بالسفر ، وامنحني بركتك .
أثر الكلام في نفس أبيه ، ولكن لم يستطع أن يحول دون رغبة ابنه ، فوافق الأب ودعا له بالنجاة والسلامة من كل شر ، فتهلل وجه أنور ، وودع أهله وانطلق خارجًا .
واستمر أنور يسير على رجليه من بلد لبلد لمدة ثلاث سنوات ، فعرف أحوالهم وشهد فنونهم وقابل منهم الأشرار والأخيار، وحدث أن عرض عليه يومًا الاشتراك في حملة بحرية هدفها تأديب لصوص البحر ، فقبل راضيًا ؛ فقد كان شجاعًا لا يخشى الخطر .
وسارت السفينة أيامًا وليالي في الماء ، في ريح هادئة وموج ساكن ، وسماء تملأ جوفها أجمل النجوم ، ولكن الجو أظلم فجأة ، وهبت الرياح ؛ فارتطمت السفينة بصخرة كبيرة حطمت ألواحها ، فغرقت وغرق من فيها .
أما أنور ، فقد كان على دراية بأمور السباحة ، فظل يسبح على غير هدى إلى أن لاحت له بقعة سوداء قريبة منه ، وكانت إحدى الجزر ؛ فاستجمع قواه وسبح حتى وصل إليها وارتمى على رملها الناعم من فرط التعب .
استيقظ أنور في الصباح ، وأخذ ينظر في الجزيرة بحثًا عن مكان يمكث فيه ؛ فرأى بيتًا كبيرًا به نوافذ عالية ، لا يقل إرتفاع كل نافذة عن خمسة عشر مترًا ، فمشى إليه وقرع الباب ، فسمع صوتا مثل خوار الثور يقول (ادخل )
ولما فتح الباب وجد نفسه أمام عملاق يبلغ طوله عشرة أمتار .! سمعه يقول : من أنت ؟ وماذا جئت تفعل هنا؟ فنظر إليه أنور بتحدي : وقال له أنا أنور الشجاع ، أحب السفر وأجوب البلاد لكي أحصل على العلم والمال .
فقال له العملاق : أنا في حاجة إلى خادم ، وأنت من اليوم خادمي ، ولن تستطيع مني الفرار ، سأخرج لأرعى أغنامي ، وعليك أن تنظف الإسطبل حتى أعود ، وحاذر أن تدخل غرف المنزل ، فإنك إن فعلت ؛ ففي هذا هلاكك .
فكر أنور بعد أن ذهب العملاق ، وقال لنفسه : ماذا لو زرت غرف المنزل ؟ لن يحدث شيء ولن يعرف العملاق ، ودخل الغرفة الأولى ، فوجد فيها موقدًا كبيرا فوقه قدر تغلي ولا نار في الموقد .
فتعجب كثيرُا ، وجذب خصلة من شعره وضعها بالقدر فإذا بها تتحول إلى لون النحاس ، ثم دخل الغرفة الثانية فوجد بها قدر أكبر فغمس شعرة أخرى من رأسه بالسائل الموجود بالقدر ، فاستحالت إلى لون الفضة ، وما إن دخل الغرفة الثالثة ؛ ففعل ما فعله بالغرفتين ، فتحولت الشعرة إلى اللون الذهبي .
وعند دخوله إلى الغرفة الرابعة ، وقف عند عتبة الباب مبهوتًا ؛ فقد رأى فتاة رائعة الجمال تنظر إليه في شفقة وأسف ، وقالت له ما الذي جاء بك إلى هنا يا مسكين ، إن العملاق رجل شرير ولئيم ، لا بد أنه سيقتلك ، فقال لها لقد ألحقني بخدمته ، وطلب مني تنظيف الإسطبل ، وما هو بالأمر العسير .
تنهدت الفتاة الحسناء وقالت له أنه أمر صعب فقد ألقى العملاق سحرًا يجعلك كلما نظفته اتسخ ثانية ، ولكن هناك حل ، اكنس أرضية الاسطبل بمقبض المكنسة ، وسينفك السحر المعقود ، فشكرها على النصيحة وتجاذبا أطراف الحديث وعلم منها أن إسمها كريمة وهي إبنة لجنية طيبة إستطاع العملاق أن يأسرها .
فهون أنور عليها ووعدها أنه سيسافر ويأخذها معه ليتزوجا ، وذهب أنور بعد ذلك لتنظيف الإسطبل ، وحينما عاد العملاق وجده جالسًا عند باب الدار ، والإسطبل في غاية النظافة والجمال ، فتطاير الشرر من عينه ، وقال يخاطب أنور : لابد أنك رأيت كريمة .
فتظاهر أنور بالبلاهة والجهل وقال له من كريمة هذه ؟ فسكت العملاق ولم يجب ، وفي اليوم التالي طلب منه العملاق أن يذهب إلى الجبل ويحضر حصانه من هناك ، فلما خرج العملاق ، جرى أنور على كريمة وأخبرها بالمهمة التي أعطاها له ، فقالت إن هذا الحصان عنيف ولكن إن أخذت اللجام المعلق في الاسطبل ورميته بين فكيه ، هدأ وسار معك أينما ذهبت .
وبالفعل نفذ أنور كل ما قالته له كريمة ، فلما عاد العملاق ووجد أنور ومعه الحصان ، غضب وثار وسأله .هل رأيت كريمة : فتظاهر أنور بالجهل مرة أخرى ، وقال له أخبرني فقط من كريمة هذه ؟ هل هي وحش أم ماذا؟
في اليوم الثالث خرج العملاق ولم يطلب من أنور أي عمل يقوم به ، ورجع عند الظهيرة وقال لكريمة عند الباب هناك فتى اذبحيه واطبخيه لنا حتى ارتاح قليلًا ، ودخل إلى غرفته فغلبه النعاس ، فعمدت كريمة إلى سكين حادة وجرحت بها أنور جرحًا صغيرًا في إصبعه ، وأسقطت في القدر ثلاث نقاط من دمه وملأته بالماء ، ثم ذهبت إلى الغرف الثلاث فتناولت من الأولى كره نحاس ومن الثانية كرة فضه ومن الثالثة ثلاث كرات ذهبية ، وفرت هي وأنور متجهين إلى البحر .
فاستيقظ العملاق بعد ساعة وصاح هل نضج الطعام ؟ فردت عليه نقطة الدم الأولى وقالت بدأ ينضج ، فاستغرق في النوم ساعة أخرى وصاح بعدها : أخبريني يا كريمة هل نضج الطعام .فردت عليه نقطة الدم الثانية وقالت : يكاد ينضج ، فاستسلم للنوم ثانية.واستيقظ بعد نحو ساعة قائلا : ويحك يا كريمة ، أين الطعام ، فأجبته النقطة الثالثة : لقد نضج تمام النضج .
ولما خرج العملاق لم يجد شيء في القدر سوى الماء ، فثار ، وأخذ يبحث عنهما ، فلما رآهما يسرعان باتجاه الشاطئ ، لحق بهما ، ولكن كريمة ألقت كرة النحاس ؛ فانشق الطريق ، وحال ذلك دون وصول العملاق لهما .
ولكن لم يكن على الشاطئ وقتها سفينة فرمت كريمة بكرة الفضة فظهرت بالبحر سفينة جميلة ركبوا فيها ، وسارت بهم بعيدة عن أرض العملاق .
فرح أنور كثيرًا ، وقال لها الحمد لله لقد نجونا ، ولكن كريمة كانت خائفة فالعملاق لديه ساحرة شريرة تعينه وتساعده ، خافت أن تلحق بهما الأذى ، وطلبت منه ألا يفارقها مهما حدث حتى لا تتمكن منهما الساحرة الشريرة .
بعد أيام قليلة وصلت السفينة إلى بلاد الشاب أنور ، ففرح بهذا كثيرًا وهدأت روحه ؛ ولكن كانت ملابس كريمة قد تمزقت واتسخت أثناء الرحلة ، فخاف إن رآها أهله على ذاك الحال ، رفضوا زواجه بها ، فطلب منها أن تنتظره حتى يحضر لها ثيابا جديدة ويعود ، ولكنها حذرته من أن يتأخر أو يتناول أي طعام يقدم له ؛ حتى لا ينسى كريمة وحب كريمة .
وبالفعل ذهب أنور مسرعًا إلى بيته ، ففرحوا كثيرًا بقدومه ودعوه لتناول الطعام لكنه اعتذر وانصرف ، وعند الباب هم أن يركب حصانه ؛ فأوقفته سيدة شقراء جميلة الوجه والعينان وأعطته تفاحة ليأكلها ، وقالت له من الأدب واللياقة ألا ترفض هدية من أحد ، فلما أخذها منها وقضم قطعة ، نسى كل شيء عن كريمة ، وظن أن تلك السيدة هي حبيبته ؛ فعرفها على أسرته وحددوا موعد الزواج .
حزنت كريمة أشد الحزن لما سمعت بهذا ، وظلت تمشي إلى أن وجدت كوخ قريب فمكثت فيه وحولته بكرة من كرات الذهب إلى بيت جميل من الذهب تعيش فيه ولما رأوه الناس طمعوا في الزواج من كريمة التي كانت تحول كل شيء لذهب ، ولكنها كانت ترفض .
وفي يوم من الأيام مر من أمام الكوخ موكب عرس ، كان هو عرس أنور على السيدة الشقراء ، ولكن وقعت حادثة هشمت عربتهم ، وهم خرجوا سالمين فطلبوا من صاحبة الكوخ القريب المساعدة ، وقد كانت هي كريمة ، فساعدتهم بكرتها الذهبية الرابعة وعادت العربة سليمة من جديد .
فأراد والد أنور أن يشكرها فدعاها لحضور العرس ، فذهبت كريمة وهي حزينة لذلك أشد الحزن ، ولكن هناك وقبل كتب الكتاب ألقت كريمة بكرتها الأخيرة ؛ فتحولت لكأس به شراب ، وقدمته للأمير ؛ فلما شربه تذكر كل ما مر في حياته ، وتذكر كريمة ، وفجأة اختفت السيدة الشقراء ؛ فقد كانت هي نفسها الساحرة الشريرة .
فرحت كريمة كثيرًا وتزوجها أنور ، وعاشت معه في سلام ، وساعدت كل أهل المدينة ، وقدمت لهم من الخير الكثير ؛ فصنعوا لها تمثالًا يشكرونها به ، وكان لامرأة تمسك بيدها ثلاث كرات .