قصة النبي سليمان والنملة
أكرم الله تعالى سيدنا سليمان عليه السلام مثلما أكرم والده داوود عليه السلام ،فقد كانا عبدين صالحين من عبيد الله الصالحين،
حيث قال تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَ سليمان عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)، وقال تعالى أيضا: ( وَدَاوُودَ وَسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سليمان وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسليمان الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ).
خص الله تعالى سيدنا سليمان عليه السلام ورزقه نعم كثيرة لا تعد ولاتحصى ،ومن النعم التي رزقه إياها أن سخر في خدمته الإنس والجن والحيوانات والطيور والرياح والشياطين.
قال تعالى : ( وَلِسليمان الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ،وعلمه لغات الطير وجميع الحيوانات بتنوع أنواعها، قال تعالى:( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَ سليمان عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سليمان دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسليمان جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ).
في احدى الايام تحرك سيدنا سليمان عليه السلام وجيشه العظيم المكون من أعداد كبيرة من الجن ،والإنس ،والطيور ، والحيوانات ،وكان موكب الجيش عظيما ،ويمتلك من الأسلحة الكثير والكثير ،وكان الجيش دائما يتحرك في صفوف وفي انتظام متناهي ،ومر الجيش فوق أرض بنى النمل فيها بيوتهم.
ولما رأت أحدى النمل موكب جيش سيدنا سليمان عليه السلام قادما في اتجاه بيوت النمل ،ورأت قوته ،صرخت بأعلى صوتها ،وقالت: ( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سليمان وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) ،وقفت النملة بكل شجاعة وقوة تنقذ بيوت كل النمل من هلاك مؤكد ،وقفت ولم تهرب لكي تنجو بحياتها ،بل ضحت بحياتها من أجل أمة النمل أجمع.
ولما سمع سيدنا سليمان عليه السلام حديثها مع أبناء أمتها من النمل ابتسم ،وقال مناجيا ربه الكريم الوهاب: ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) ،وأمر سيدنا سليمان عليه السلام جيشه العظيم أن يغيروا مساره حتى لا يتم دهس بيوت النمل ولا يهدموها أثناء سيرهم.
ونلخص من قصة سيدنا سليمان عليه السلام والنملة ،أن النملة لما نادت النمل ،كان النمل منتشر ،كل نملة تؤدي عملها ،ولم يكن في وقت راحة أو استجمام ،ولما أمرتهم النملة بالدخول لبيوتهم سمعوا منها دون تردد أو تخاذل ،وأن النملة التمست العذر لجيش سيدنا سليمان عليه السلام بأنهم سيحطمون النمل دون قصد أو غرض أو شعور ،وقالت: وهم لا يشعرون ،ونرى أيضا أن النملة أدارت الأزمة في ثواني معدودة وبحزم وحنكة و وعي.
فتأمل كيف يفعل هذا، ثم يتكاسل المتكاسلون من البشر ،ولذلك الإنسان يسأل الله حسن التدبير ؛ لأنه إذا لم يرزق تدبيرًا فسيعيش عيشة نكدة هو وأولاده وزوجته.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من ورثة العلم ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا..
إنه هو السميع العليم ،وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.