قصة النمر نصار

النمر نصار نمر قوي الجسم رحيم القلب ، مشهور بين الحيوانات بقدرته على هزيمة من يصارعه ، وفي الوقت نفسه معروف بينهم بحبه للعدل وكرهه الشديد للظلم ، ولقد علمه أبوه النمر عمار أن يستخدم قوته في إعانة الضعفاء والمحتاجين ونصرة المظلومين . كانت الحيوانات تحب النمر نصار كثيرا، وتلجأ إليه للمساعدة ، وكان هو بدوره لا يتأخر عن تقديم المساعدة ، ويسرع دون تردد لدفع الظلم عن الضعفاء من الحيوانات …
ولأن الذئاب تهوى الإعتداء على ضعاف الحيوانات فقد شعرن أن وجود النمر نصار يشكل خطرًا على أطماعهم ، فما أن يسرقوا حيوانًا ضعيفًا إلا ذهب ذاك المظلوم للنمر نصار ، فيسرع لنجدته ، ويأخذ حقه منهم ويعيده إليه.
إجتمعت الذئاب يوما لبحث هذا الأمر برئاسة الذئب خبثان … فوقف الذئب خبثان فيهم خطيبًا وقال : يا معشر الذئاب ، تعلمون أن حياتنا تقوم أساسًا على الخطف والسرقة ، وقد صارت أمورنا مستحيلة بسبب النمر نصار ، ولا بد أن نجد حلاَّ لهذه المشكلة .
صاح أحد الذئاب : لا بد أن نجد حلاَّ ، فقد تدهورت صحتنا وضعفت أجسامنا.
وصاح آخر : إما أن نقضي عليه وإما أن نرحل إلى غابة أخرى ، نستطيع  السرقة فيها .
أجابه ثالث : أيها الذئب ، لا توجد غابة أخرى ترضى باستقبالنا ، وذلك بسبب سمعتنا السيئة .
إذا نقاتل النمر نصارًا .
هل جننتم ؟ هل لنا طاقة بقتال هذا الوحش الجبار؟
إنه يستطيع أن يقتل نصفنا في أول جولة .
والنصف الثاني سيفر قطعًا موليًا الأدبار .
ما رأيكم أن نقوم بطرده من الغابة ؟
إنكم تحلمون ، هل ستأمرونه بالخروج فيطيع؟
اختلطت الأصوات وتضاربت الآراء ، وعمت الفوضى إجتماع الذئاب ،وحينها رفع الذئب خبثان صوته في ثقة قائلا : بل سوف نخرجه من الغاب، وإذا لم يخرج فسوف يموت !عم الصمت دقيقة ، إحتبست خلالها الأنفاس ، ثم صاحت الذئاب في صوت واحد : كيف يا ذئب خبثان ؟
سوف نوقع العداوة بينه وبين الأسد ملك الغابة ، وحينئذِ سوف يثور الصراع بينهما ، وسوف يفوز الأسد بالتأكيد بقوته الفائقة .
إنك حقًّا شديد الخبث يا ذئب … خبثان .
ولكن الآن دعونا ندبر خطة العداوة القاتلة .
وفي اليوم التالي ذهب الذئب خبثان إلى الأسد متصنعًا البراءة والإخلاص، وبعد أن استأذن دخل على الأسد وقال : السلام عليكم يا ملك الغابة ، والذي أتمنى أن تظل ملكا للغابة ، أريد أن استأذنك في بناء بيوت جديدة للذئاب و …. قاطعه الأسد قائلا: وما يمنعني أن أظل ملكا للغابة ؟
سمعت أن النمر نصارًا يتطلع لأن يكون هو الملك ، وقد حشد حوله أحبابه وأنصاره ، وقد صار قريبًا جدّا من عرش الغابة .. فقال الأسد : إنه نمر محب للعدل ، ولذلك فهو يساعد الحيوانات المظلومة … فرد الثعلب عليه في خبث : دعه يقول ما يرد ، وانتظر – إن شئت – حتى يضيع عرشك أيها الأسد العظيم .
فانطلق الأسد إلى النمر نصار ، وقد بدت عليه علامات الغضب ، وبدا في عينه شرّ عظيم يهدد عرشه .
وعندما رأى النمر نصار الأسد قادمًا من بعيد، قام ليستقبله ببشاشة كالعادة، ولكن عندما اقترب الأسد وظهرت هيئته، شعر النمر نصار أن في الأمر شيئًا. قال الأسد: أنا ملك الغابة يا نمر نصار.
ابتسم النمر نصار في هدوء وقال: هذا الأمر معلوم وثابت يا ملك الغابة.
وسوف أظل ملكًا للغابة.
لا يوجد من ينازعك الملك أيها الأسد.
بل يوجد .
من؟
وهنا دخلت فجأة بعض الحيوانات إلى بيت النمر نصار، طالبة منه المساعدة والنصرة ، وكانت الحيوانات تعطي معظم إهتمامها إلى النمر نصار ، مع نظرة احترام عابرة للأسد .
فقاطعهم الأسد غاضبًا : هل تدري من ينازعني الملك يا نمر نصار؟
من أيها الأسد؟
أنت أيها النمر، لقد سمعت ذلك قبل أن آتي إليك، ثم تأكدت بنفسي حينما رأيت الواقع.
فقال النمر في هدوء: إن ما أفعله يصب في مصلحة الغابة واستقرارها، وهذا يثبت ملكك ولا يزعزعه، إن العدل هو أهم أركان الملك أيها الأسد، ثم إني لم أطلب لنفسي أي زعامة أو ملك أيها الأسد.
اصمت يا نمر نصار ، ومن الآن أنت أكبر أعدائي ، وليس أمامك الآن إلا أحد الأمرين : إما أن تغادر الغابة أو تعرض نفسك للقتل على يدي .
لا عليك ، سوف أغادر الغابة حتى لا أثير فتنة تضيع فيها دماء الحيوانات بلا طائل .
وبالفعل رحل النمر نصار رغمًا عنه إلى أرض قليلة الماء والعشب ، ولقد رحل معه شعور الحيوانات بالأمان وقل الإحساس بالعدل في تلك الغابة ، حتى إن كثيرًا من الحيوانات تركت الغابة إلى حيث يعيش النمر نصار ، وقالوا : نحن نفضل جوار النمر نصار في أي مكان ، حتى وإن كان مجدبًا قاحلاً .
ومع مرور الأيام امتلأت الغابة بالمشاحنات والمشاجرات ،وأكل القوي الضعيف ، وصارت الذئاب سيدة الموقف ، وسمنت أجسامها ، وزادت شراءها ، فأخذت الحيوانات تهاجر أكثر فأكثر إلى مكان النمر نصار ، وبفضل جوّ الحب والتعاون ، زرعت الحيوانات الأرض ، ونبت العشب ، وصارت الحياة سعيدة ، وصار النمر نصار ملكًا طبيعيًا للحيوانات .أما الأسد فقد حاول أن يكبح جماح الذئاب ، بعدما طغوا بظلمهم ، فأذاعت الذئاب عنه الأكاذيب كما فعلت من قبله بالنمر نصار ، حتى ثارت عليه الحيوانات جميعًا ، وزلزل عرشه ، وطردته الحيوانات خارج الغابة .
لم يجد الأسد مكانًا يلجأ إليه أفضل من غابة النمر نصار ، والعجيب أن النمر نصارًا استقبل الأسد الملك المهزوم بحفاوة وعفو وتواضع ، وأكرم ضيافته ، وأظهر له عفوًا وكرمًا كبيرًا .
فقال الأسد: لقد صرت أنت الملك يا نمر نصار، وأنا قد ضاع مني ملكي.
قال النمر نصار : لقد سعيت إلى العدل ، فسعى إلي الملك .. أما أنت فقد أهملت العدل ، فأهملك الملك وضاع منك أيها الأسد الحزين.
***
المؤلف/عبدالله محمد عبد المنعم

Exit mobile version