قصة الوعد المشئوم
كان يا ما كان في قديم الزمان ،كان هناك ملك عظيم يحكم مملكة واسعة وله رعيّة تحبه وتطيع أوامره ،ومع ذلك كان الملك حزيناً دائماً ،أن الملكة كلما حملت وضعت طفلاً ميتاً.
في أحد الأيام بينما كان الملك جالسا في حديقة قصره يفكر في مصيبته ،هبط نسر كبير أمامه وقال له : أيها الملك العظيم ،أستطيع أن أبعد عنك الحزن إذا وعدتني بتنفيذ ما أطلبه منك ،نظر الملك إلى النسر بدهشة ،وأكمل النسر كلامه : سوف تعيش لك أميرة جميلة لا مثيل لحسنها في الدنيا ،بشرط أن تسمح لي بأخذها يوم زواجها.
فكّر الملك قليلا ،وافق على شرط النسر ،لأنه يحب أن يرزق بطفل مهما كان الثمن. وعند ذلك صفّق النسر بجناحيه ،وغاب في السماء.
صدق وعد النسر وكلامه ،فقد حملت الملكة ،ثم ولدت طفلة جميلة ،فاحتفل الملك والمملكة بولادتها احتفالا كبيرا ووزّع الهدايا ،وأنعم على الفقراء والمساكين ،وسمّاها ” حنين “…
مضت الأيام وأصبحت فتاة رائعة الحسن والجمال وبدأ الأمراء يخطبونها من الملك وهو يرفض تزويجها لأي منهم بسبب وعده المشئوم للنسر ،فالملك لا يستطيع أن يبوح لأحد بسره ،ولا يريد أن يفقد ابنته ،ولهذا عاد الحزن يسكن قلبه ،وحزنت الأميرة لحزن أبيها ولرفضه تزويجها دون سبب مقنع …
في إحدى الغابات البعيدة ،كان يعيش وسيم وهو بالفعل وسيم كان شاب بهي الطلعة ،حسن الأخلاق ،كان يعمل حطاب طول النهار ،ويأوي إلى كوخه في المساء.
ذات مساء ،طرق بابه رجل غريب ،فأسرع وسيم وفتح الباب ،ورحّب بالزائر الغريب ،وأخذ يعد له المكان ،ويحضر له الطعام والماء الساخن.
عندما قدّم له الماء ،والطعام بكل ود واحترام ،نظر إلى عيني الزائر فرأى شيئا غريبا جعله يجمد في مكانه ،فقال له الزائر : لا تخف يا عزيزي ،أنا اسمي ” ناظر” و عيناي هاتان هما زمردتان أستطيع أن أرى بهم ما أريد في أي مكان في الدنيا ،ولي أخوان أحدهما اسمه ” سامع ” يملك أذنين كبيرتين ،يستطيع بهم أن يسمع صوت الإبرة وهي تسقط في أعماق البحر ،وآخر اسمه “مجنّح” له جناحان كبيران يستطيع بهم أن يصل الى أي مكان في الدنيا اسرع من لمح البصر وسأفكر في طريقة لمكافأتك على حسن استقبالك لي.
أمضى ناظر أياماً في ضيافة الحطّاب وسيم فازداد إعجاباً به وبأخلاقه وطيبته وحسن ضيافته،فسأله لماذا لم تتزوج الى الحين فرد وسيم انه حطاب فقير ولا يستطيع نفقة زواجه.فأحب ناظر أن يجد له أجمل عروس في ذلك العصر امتنانا منه لحسن ضيافته له ،فحرّك زمردتي عينيه ذات اليمين وذات الشمال ،فأخذ بريقهما يزداد سطوعاً ،والحطاب وسيم ينظر اليه ويتعجب من حركة عينيه ،ثم فجأة قال : أبشر يا وسيم ،لقد وجدت لك فتاة لا نظير لها في الدنيا ،وسأطلب من أخي سامع أن يكشف لنا عن سبب حزنها لأني أراها حزينة .
أقفل وسيم باب كوخه وودع حيوانات الغابة ،ثم سار مع ناظر الى بيت أخيه.
في الطريق قال ناظر : إياك أن تسخر أو تضحك من كبر أذني أخي ،وإلاّ امتنع عن مساعدتنا ،فوعده وسيم بالسمع والطاعة.
قطعا مسافة طويلة سيراً على الأقدام ،وعندما وصلا بيت سامع ،ظهر في الباب رجل ضخم له أذنان كبيرتان كأذني الفيل. رحّب بهما وقال لناظر يا أخي لقد سمعت حديثك للشاب عن الأميرة الحزينة ،فقد كنت مشتاقا لإخبارك ،وعندما وجهت أذني نحوك سمعت الحديث فأهلاً وسهلاً بكما ،لقد جئتما في الوقت المناسب ،
قال ناظر : ماذا تعني بالوقت المناسب؟
رد سامع بقوله : عندما أدرت سمعي نحو الملك علمت من حديث دار في نفس الملك أن اسمها حنين ، وأن أباها الملك قطع وعدا مشئوما لنسر كبير بأن يسمح له بخطف الأميرة يوم زفافها ،وأجبره على تحديد موعد الزفاف.
قال ناظر بلهفة : ما العمل والوقت يمضي بسرعة يا أخي سامع ؟
فأجابه سامع : أرى أن نستنجد بأخينا مجنّح.
وافق الجميع على الفكرة ،وخرجوا مسرعين ،وقطعوا غابات كثيفة ،وأنهارا عديدة ،حتى بلغوا وادياً سحيقاً. ونادى ناظر أخاه المجنح بأعلى صوته ،فلم يسمع أي جواب لأن المجنح كان نائما في بيته على قمة الجبل ،فأخذ وسيم قوسه وأطلق سهما على شباك البيت ،فصحا المجنّح غاضبا ،وأطلّ من النافذة ليرى الفاعل وينتقم منه ،فشاهد أخويه ومعهما الشاب وسيم. عندها خفق بجناحيه وطار في الهواء ثم حطّ أمامهم وأخذ يرحب بهم ،فأسرع ناظر بإخباره بأنهم جاؤوا إليه ليطلبوا مساعدته في أمر مهم ،وأخبره به.
طلب إليهم مجنّح أن يعتلوا ظهره ،وصفّق بجناحيه وطاروا في الفضاء بعد أن استقروا على ظهره ،حتى كادت الأرض تغيب عن أنظارهم ،ثم حطً فجأة كالسهم في حديقة القصر.
اتفق الأخوة على العمل ،وقال أحدهم لوسيم بلطف : اذهب أيها الشاب الى الملك في الحال ،واطلب منه يد ابنته ،وقل له إنك مستعد أن تقدم له رأس النسر الكبير مهراً لها.
ففعل الحطاب وسيم ما قالوه له ، ودهش الملك عند سماع كلامه ،ثم قال له : إذا استطعت أن تقدم لي رأس النسر ،فأنا على استعداد لأزوجك ابنتي ،ثم باح لزوجته وابنته بسر رفضه الأمراء الذين تقدموا لخطبة نسرين ،وأخبرهما قصة الوعد المشئوم الذي قطعه له. وسأل ابنته إن كانت ترضى بوسيم زوجا لها ،فوافقت الاميرة.
خرج وسيم مع حضرة الملك ،فلم يجد المجنح مع أخويه ،فخاف ألاّ يتمكن من تنفيذ وعده ،خاصة وأن الملك هدّده بقطع رأسه إن لم يف بوعده.
كان المجنح في تلك اللحظة قد طار في السماء ،حتى التقى بالنسر الكبير ووقعت بينهما معركة حامية استطاع المجنح في نهايتها قتل النسر الكبير ،فقطع رأسه وحمله الى حديقة الملك حيث كان أخواه ينتظرانه…
وصل وسيم مكان ناظر وسامع ،وقبل أن يسألهما عن المجنح سقط رأس النسر الكبير أمامه ،ورأى المجنح يهبط الى الأرض ويصعد أخواه على ظهره ،وأخذ يطير بهما في السماء ،فلوّح لهم وسيم مودّعا ،وبينما كانوا هم يغيبون في الفضاء ،كان الحطاب وسيم يحمل رأس النسر الكبير ويدخل به على الملك.وفى الملك بوعده ،وزوّج ابنته من الحطاب الذي أصبح أميراً لكرم أخلاقه وحسن معاملته.