قصة جرس العدالة في مدينة العدل
كان يحكى في قديم الزمان عن مدينة جميلة تسمى مدينة العدل وكان حاكمها ملكاً عادلاً يهتم بنشر العدل والمساواة والسلام بين أفراد مدينته .وذات يوم دخل عليه وزيره ليحدثه عن أحوال المدينة وأهلها ويقدم له النصائح التي تساعد على انتشار المحبة والعدل والمساواة بين أفراد رعيته.وقد أشار الوزير على الملك أن يقوم بتعليق جرس في المدينة يلجأ إليه كل شخص تعرض إلى الظلم أو عدم المساواة ويدق هذا الجرس وهكذا يعرف الحاكم أو المسؤولين تعرض هذا الشخص للظلم ويذهبوا حتى ينصفوا المظلوم ويزيلوا عنه الظلم .
اقتنع الحاكم بنصيحة الوزير فاستدعى كبير القضاة في المدينة وقال له : لقد أشار علي وزيري أن أعلق جرساً كبيراً في السوق وأرجوا من فضيلتكم أن تعلق الجرس بحبل طويل يستطيع أن يصل إليه أصغر الاطفال.امتثل كبير القضاة لأمر الحاكم إلا أن الحبل قد انقطع بعد مرور أيام قليلة، فأمر كبير القضاة بوضع حبل جديد مكان الحبل المقطوع.إلا ان الناس بحثوا كثيراً فلم يجدوا حبلاً مناسباً، فاقترح عليهم أحد الحكماء في المدينة أن يربطوا الحبل بشكل مؤقت حتى يجدوا حبلاً جديداً ، ثم ذهب إلى أحد البساتين المجاورة وعاد وفي يده فرع طويل من شجرة العنب .
كان يعيش في نفس المدينة رجل عُرف عنه البخل والشح، وكان لديه حصان يستخدمه لنقل البضائع، ولما كبر هذا الرجل أصبح عاجزاً عن العمل فأهمل حصانه حتى كاد الجوع يقتله .وذات يوم أطلق البخيل سراح حصانه فلم يجد إلا عشباً قليلاً يأكل منه، راح يفتش الحصان المسكين عن المزيد من الطعام إلا أنه لم يتمكن من العثور على أي طعام .
أكمل الحصان الجائع مسيره والضعف والوهن يبدوان عليه وكان الجو شديد الحرارة والناس يلزمون بيوتهم خوفاً من الحر وضربات الشمس، ضاع الحصان في الطرقات حتى وصل إلى المكان الذي علق فيه الجرس.فرأى فرع العنب متدلياً منه فمد الحصان رقبته يحاول جذب الفرع إليه إلا أنه لم يستطع قصمه لشدة ضعفه، ظل يحاول العديد من المرات، وخلال هذه المحاولات قطع الحصان فرع العنب وأصبح الجرس يرن كثيراً، سمع سكان مدينة العدل صوت الجرس فعرفوا أن هناك مظلوماً في مدينتهم !
أسرع القضاة والناس رغم الحر الشديد إلى مكان الجرس فسأل كبير القضاة الناس عن الشخص الذي دق الجرس، فأخبروه يبدوا أنه حصان البخيل وجاء يطالب بالإنصاف والعدل من شدة بخل صاحبه .استفسر القضاة عن حقيقة الأمر حتى علموا أن البخيل كان يقسوا على حصانه ويمنعه الطعام والماء .فقال القاضي للناس المجتمعين : إن مدينة العدل ترفض أن يكون فيها مظلوم سواء أكان إنسان أو حيوان، وطلب كبير القضاة إحضار البخيل على الفور .
ذهب أحد الحراس إلى بيت البخيل وعندما دخل إليه بسرعة ليقبض عليه وجده يعد نقوده وأمواله التي جمعها وكانت كثيرة جداً .فأخبره أن قضاة مدينة العدل يريدونه على الفور .فقال البخيل : ولكنني كبير في السن ولا أقدر على المشي فأحضروا لي حصاناً أركبه .قال الحارس : لو كنت حافظت على حصانك وتمكنت من رعايته والاعتناء به لخدمك الآن .فقال البخيل : لو أنفقت عليه من مالي لإطعامه لما جمعت هذه الثروة الطائلة، ثم طلب أن يستعير حصان جاره فرفض جاره ،فقام الحراس بجره أمامهم بالقوة .وعندما وصل البخيل مكان الجرس وجد الناس والقضاة مجتمعين وأمامهم حصانه الضعيف، حاول الناس أن يعتدوا على البخيل إلا أن كبير القضاة قد منعهم قائلاً : إن الاعتداء على الآخرين ليس من أخلاقنا في مدينة العدل، وطلب إليهم أن يتركوا الأمر للعدالة والقضاء .
اقترب البخيل من منصة القضاء في خجل وهو ينظر إلى الأرض فقال له القاضي : أنظر إلى حصانك، لقد خدمك خير خدمة وأنقذك من الفقر فلماذا أهملته بهذا الشكل حتى أوشك على الموت ؟
لم يجد البخيل جواباً وطلب منهم العفو وأن يعيدوا إليه حصانه من جديد حتى يرعاه خير رعاية ويعتني به جيداً هذه المرة .ولكن كبير القضاة رفض طلب البخيل وقرر أن يلقنه درساً لا ينساه طوال حياته .
قال القاضي بصوت مرتفع : لقد قررت أخذ نصف مال البخيل وأشتري به طعاماً للحصان، وأبني له مكاناً ليحميه من الحر والبرد والأمطار .هتف الناس فرحين : يحيا العدل .. يحيا العدل في مدينة العدل .