في الصباح الباكر خرج الفهد يمشي بخطى ثابتة كي يصطاد طعاماً له ولأسرته.
لما رأته الحيوانات ارتعدت خوفاً واختبأت وراء الشجر.
قال القرد وهو يرتجف خوفاً: ما أقوى هذا الفهد! إن أخاف منه خوفاً شديداً.
قالت الغزالة: أنى حينما أره أخاف أيضاً، فهو يستطع أن يلتهمني في فمه بسرعة البرق.
أما الحمار الوحشي فقال: يا تعس حظي فإني واخواني من الحمير الوحشية طعامه المفضل. وكم يملأ بطنه من عشيرتي وقومي. ثم توقف عن الكلام واغرورقت عيناه بالدموع حينما تذكر حميرا عاش معهم ثم افترسهم هذا الفهد القوي.
قالت الزرافة: إنه يعود كل يوم حاملاً معه صيداً وفيراً فتتلقاه زوجته وابناؤه الفهود الصغار فيأكلون ويشبعون وهم فرحون.
ولم انتهى الجميع من كلامهم، قال الثعلب: إنه حقاً فهد قوي وأنتم جميعاً تخافون منه.
-حقاً كلنا نخاف أن نكون طعاماً له.
-ولكني أستطيع أن اجعله يحمل قمامة بيتي.
ضحكت الحيوانات من قول الثعلب. قال القرد لعلك تقصد أنك سوف تحمل قمامة منزله تقرباً حتى لا يأكلك؟
أجاب الثعلب في إصرار رافعاً صوته حتى تسمعه جميع الحيوانات: بل سوف يحمل قمامة بيتي وسوف أريكم إياه وهو يسير خلفي يحمل القمامة، ولكن اعطوني وقتاً.
-لن نخسر شيئاً إذا انتظرنا، أرنا ما أنت فاعل.
انتظر الثعلب في طريق الفهد وهو عائد إلى بيته يحمل صيده بعد رحلة صيد شاقة وقال له في خضوع شديد: سيدي الفهد القوي، إني أراك كل يوم تذهب الى الصيد في الصباح الباكر وتعود مرهقاً في حر الشمس تحمل صيدك.
نظر الفهد إلى الثعلب والغضب يملأ عينيه وقال: وماذا في ذلك؟
وقبل أن يشتد غضبه قال الثعلب: واني معجب بك أشد الاعجاب.
هدأ الفهد قليلاً وقال: شكراً. المهم ماذا تريد الآن فإني مرهق الأن وأريد أن أستريح؟
-لا أريد شيئاً. فقط أريد أن أفعل شيئاً كي أعبر عن اعجابي بك وتقديري لك.
-ماذا تريد أن تفعل؟
-اسمح لي أن أجعلك تستريح في بيتك عزيزاً كريماً، وسوف يأتيك في كل يوم طعام وفير يكفيك أنت وأسرتك، وتوفر أنت فتوتك وقوتك، فالملوك أمثالك ينبغي أن يخدمهم غيرهم ولا يرهقوا أنفسهم في الصيد والتعب والقيام المبكر للجري في الغابة ومطاردة الحيوانات.
لعبت الكلمات برأس الفهد وانتفخت أوداجه بكلمات الاطراء والمديح، ثم رفع رأسه إلى الثعلب وقال له: ومتى تبدأ في احضار اللحم اللذيذ؟
-من غد في الصباح يأتيك طعامك يا مليكي.
عاد الفهد إلى بيته شارد الذهن والتقى صيده ولم ينظر إلى زوجته وابنائه الفهود الصغار. وتركهم يأكلون وجلس جانباً يفكر.
أقبلت عليه زوجته وسألته: ماذا بك، فلست كعادتك؟
-لا شيء غير إن مللت الخروج والتعب والصيد، فإنه لا يليق بفهد قوي مثلي أن يتعب كل هذا التعب من أجل صيد مرهق كهذا.
-ومن أين سوف نأكل؟
-سوف يأتيني الثعلب بالطعام وأنا مستريح في بيتي، إنه شديد الاعجاب بي.
-ولكن لماذا يكلف الثعلب نفسه كل هذا العناء ليجعلك تستريح؟
-هكذا الاعجاب، أنت لا تعرفين قدر زوجتك العظيم.
-لست مستريحة.
كان الثعلب يذهب إلى الفهد كل صباح حاملاً معه اللحم، والذي يسرقه من بيت جاره النمر وظل على هذا الامر أسبوعاً كاملاً.
ركن الفهد إلى الراحة، وصار يستيقظ متأخراً فيجد اللحم أمام باب بيته فيقوم متثائباً ويأخذ اللحم ثم يأكل هو وأسرته،
اطمئن الثعلب إلى ركون الفهد للكسل وتعوده الاعتماد على ما يأتيه به من اللحم، فأخذ يتأخر رويداً رويداً حتى صار يأتي باللحم بعد الظهر.
قالت الزوجة للفهد: إن الثعلب الأن يأتي متأخراً، وأطفالنا الفهود جياع.
-لعل له عذراً. أصمتي فأنت لا تحبين لي الراحة.
-ولكن من يأتي بهذا اللحم الوافر؟
-لا يهمني المهم أن يأتي بالطعام اللذيذ.
بعد طول انتظار أتى الثعلب متباطئاً حاملاً اللحم. فسأله الفهد عن سبب تأخره فقد آلمه الجوع هو وأطفاله. صاح الثعلب في وجهه: لكل أمر ظروفه، خذ اللحم وكل وأنت صامت.
طأطأ الفهد راسه أخذ اللحم ودخل بيته وجلس يأكل هو وأسرته وهو يأكل: والله إن هذا الثعلب يتعب كثراً من أجلنا.
أما زوجته فكانت تنظر إليه متعجبة من إنكسار زوجها.
وفي اليوم الموعود أخبر الثعلب الحيوانات إنه سوف يريهم ما وعدهم به أن يصطفوا في الطريق كي يشاهدوا الفهد وهو يحمل القمامة ويسير خلفه.
تعمد الثعلب أن يأتي متأخراً حتى أكل الجوع عقل الفهد وجاء حاملاً معه كيساً قذراً فيه قمامة منزله، ولما رأى الفهد القى إليه الكيس، وقال له اتبعني حتى تأخذ اللحم.
حمل الفهد كيس القمامة القذر وسار خلف الثعلب والحيوانات جميعاً ينظرون ولا يصدقون ما ترى أعينهم، فها هو الفهد يسير منكسراً ويحمل كيس القمامة خلف الثعلب الذي يسير شامخاً رافعاً رأسه.
تعمد الثعلب أن يسير في ضوء الشمس بعيداً عن الأشجار حتى تراه الحيوانات بصورة واضحة.
نظر الفهد إلى ظله الضخم وهو يسير خلف الثعلب. فشعر بغصة في قلبه، وأدرك إنه قد أهان نفسه حين ركن إلى الكسل ولم يخرج للصيد واعتمد على الثعلب في جلب الطعام.
ولما عاد إلى بيته جلس الفهد يفكر في أمره، ثم انتفض واقفا وقال لزوجته: سوف أخرج للصيد مبكراً في الغد كي أحضر طعاماً كما كنت أفعل من قبل.
وفي الصباح خرج الفهد للصيد بخطاه الثابتة، ولما رأته الحيوانات اختبأت منه خلف الاشجار وهم يرتجفون خوفاً منه.
ووقف معهم الثعلب يرتجف أيضاً.
فقال له القرد: عجباً لك أيها الثعلب جعلته بالأمس يحمل قمامة منزلك واليوم ترتجف خوفاً منه.
قال الثعلب: كنت بالأمس أطعمه أما اليوم فهو صاحب الكد والعمل.
المؤلف: عبد الله محمد عبد المعطي