قصة خبرة الحياة
استيقظ قطيع الفهود ، وخرج كل منهم باحثًا عن رزقه من طعام وماء ، وبعد رحلة صيد مرهقة وفي طريق العودة بدا الإرهاق واضحًا على الفهد شيبان كبير السن ، وصار يتحرك بصعوبة ، وأخذ يبحث عن مكان يستريح فيه قليلا قبل أن يصل إلى بيته لينام بعض الوقت ، أما الفهد فرحان فهو صغير السن لذلك بدا نشيطًا لم يتعبه الصيد ، وأخذ يجري ويتحرك بين الفهود في خفة ونشاط ، ولما رأى حال الفهد شيبان قال له : لقد صرت ضعيفًا يا فهد شيبان … فرد شيبان في هدوء : هكذا الحياة يا فهد فرحان ، وغدًا سوف يتقدم بك العمر مثلي ، ولا تنس أنني كنت صغيرًا قويًّا مثلك .
نحن أبناء اليوم يا فهد شيبان ، أنا أقوى منك بكثير .
ولكنني أكثر منك خبرة وحكمة في الحياة.
لا تكثر الكلام عن الخبرة والحكمة ، فهذه أشياء لا قيمة لها في الحياة ، المهم في غابتنا هذه هو القوة ، قل لي بالله عليك هل ستصيد وتطارد الفرائس بالخبرة ؟ هل ستصارع الوحوش بالحكمة ؟ إنها لغة الضعفاء يا فهد شيبان …
وفي هذه اللحظة ظهرت غزالة تمشي وراء الأشجار ، فقال الفهد فرحان : هل ترى هذه الغزالة يا فهد شيبان ؟
نعم أراها .
هل تستطيع أن تصيدها وتأتي بها ؟ وقبل أن يرد عليه الفهد شيبان ، قفز الفهد فرحان قفزة قوية ، وجرى بسرعة فائقة ، فأمسك بالغزالة ، وأتى بها إلى الفهد شيبان ، وألقاها بين يديه قائلاً : ما هو الأهم الآن الخبرة أم القوة يا فهد شيبان ؟.
نظر الفهد شيبان إليه وقال مبتسمًا : سوف تريك الأيام .
إنصرف الفهد فرحان ليجلس مع أصدقائه من شباب الفهود ، وروى لهم ما كان بينه وبين الفهد شيبان ، فقال أحدهم : أنا أحييك يا فرحان ، فأنا سعيد جدًّا بما فعلت ، لقد أعطيته درسًا يجعل هؤلاء الفهود كبار السن الضعفاء في وضعهم الطبيعي ، ولا يتعبونا بكلمات بالخبرة والحكمة .
قال آخر: القوة هي أهم شيء في الحياة.
وقال ثالث مستهزئا : سوف يخرج الفهد شيبان غدًا للصيد ، مستخدمًا حكمته ، ها ها ها ، وسوف يشرح ظروفه للحيوانات التي يريد صيدها ، فتأتي إليه مطيعة فيفترسها ليأكلها .. فضحكت الفهود الشابة من تعليق زميلهم وقالوا : إن هذه الحكمة لا تسمن ولا تغني من جوع .
وفي صباح اليوم التالي ، إستيقظت الفهود على سيارات الصيادين ، والذين جاءوا إلى الغابة ، كي يحملوا ما استطاعوا من حيوانات ، ليبيعوها إلى حدائق الحيوان ، وجاؤوا متسلحين بالبنادق والشباك وغيرها …وعندما رأت الفهود الشابة سيارات الصيادين ، إنطلقت تجري بقوة في الطرق ، وأخذت سيارات الصيادين تتبعها بسرعة كبيرة ، وأخذ الصيادون يلقون شباكهم ، ويطلقون نيران البنادق ، حتى استطاعوا إصطياد بعض الفهود ، وأصابوا آخرين بجروح ، وأصيب الفهد فرحان ,وظل يزحف حتى اختبأ وراء الأشجار ، فلم يرى الصيادون .
وبعد انصراف الصيادين، عاد الفهد فرحان مثخنًا بالجراح إلى أرضهم، وما إن وصل إلى أرض الفهود، حتى قابل الفهد حسان، فقال له: لقد ظفر الصيادون ببعض الفهود ونجوت بصعوبة.
الحمد الله على نجاتك.
أشكرك يا فهد حسان ، ولكن جسمي يؤلمني جدًّا ، وأريد أن اسألك عن الفهد شيبان ، أظن أن الصيادين صادوه من أول لحظة .
فتبسم الفهد حسان وقال : الفهد شيبان بخير ولم يصب بأي أذى .
كيف يا حسان ؟ لقد هرب منهم بصعوبة بالغة بالرغم من قوتي الكبيرة ، أنا لا أصدق أنه نجا ، دعنا نذهب إلى الفهد شيبان لنرى بأعيننا .
ذهب الفهدان إلى بيت شيبان ، فوجداه جالسًا مستريحًا ، فنظر إليه الفهد فرحان في تعجب وسأله : كيف نجوت يا فهد شيبان برغم ضعفك ؟
لقد هربت بين الأشجار والصخور ، بمجرد أن رأيت السيارات ، فلم يستطع الصيادون ملاحقتي.
أما أنا فهربت إلى السهول ، ظنًّا مني أن سرعتي الكبيرة في الجري في الأرض السهلة سوف تنجيني .
إن هذه السيارات التي يركبها الصيادون سريعة جدّا ، وتستطيع اللحاق بأسرع الحيوانات ، بشرط أن تطارده في السهول ، ولكنها لا تستطيع أن تسير بين الأشجار والصخور .
ولذلك نجوت أنت بسهولة ، أما نحن فقد ذهبنا إلى حيث يريد الصيادون ونحن لا ندري .
ألم أقل لك يا فرحان إن الخبرة والحكمة ينفعان ، وأن القوة وحدها لا تكفي؟
أعتذر إليك يا فهد شيبان ، والآن عرفت أهمية الخبرة في الحياه ، وسوف أجلس بين يديك كي تعلمني الخبرة والحكمة ، وسوف أستشريك في شئون حياتي.
الآن بدأت تفهم الحياه يا فهد فرحان …
***
المؤلف/عبدالله محمد عبد المعطي