قصة ذو القرنين
أعطى الله سبحانه وتعالى ذي القرنين الحكم والقوة قال تعالى ” إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ ” أي: ملكه الله تعالى، ومكنه من النفوذ في أقطار الأرض، خرج ذي القرنين ذات يوم بجيشه العظيم في مشارق الأرض ومغاربها يدعو إلى الله سبحانه و تعالى، حتى وصل غرباً إلى عين حمئة، حيث كان يقال أن الشمس تغرب في هذه المنطقة، كما كانوا يعتقدون أيضاً أنها نقطة نهاية العالم وأن الشمس تنزل في المحيط الأطلسي حتى وصل على قوم هناك، وقد رأى الشمس تغرب في منطقة في بحر إيجه المحصورة بين سواحل تركيا الغربية واليونان .
كان يعيش في هذه المنطقة قوم يسجدون للشمس من دون الله عز وجل، وقد ألهم الله سبحانه وتعالى ذو القرنين بأنه ملك هؤلاء القوم وإما أن يعذبهم أو يعفو عنهم فحكم ذو القرنين أنه سوف يعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا وسوف يتركهم لحساب الله وعذابه في الآخرة، و سيعفو عن من آمن وبالله عز وجل .
ذكرت قصة ذي القرنين في كتاب الله قال تعالى :وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا } كان أهل الكتاب أو المشركون، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة ذي القرنين، فأمره الله أن يقول: { سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا } فيه نبأ مفيد، وخطاب عجيب.قال تعالى في سورة الكهف :إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا } .
وبعد أن انتهى ذو القرنين من أمر الغرب اتجه إلى أقصى المشرق إلى مكان تشرق منه الشمس، وكان هذا المكان عبارة عن أرض جرداء مكشوفة ليس لها أي أشجار أو مرتفعات، فحكم على أهلها بنفس حكمه على أهل الغرب، وبعد أن انتهى أيضاً من أمرهم أكمل مسيرته حتى وصل إلى قوم بين سدين وبينهما فجوة هؤلاء القوم هم قبيلتان عظيمتان أو شعبان من شعوب بني آدم ” يأجوج ومأجوج “وكانوا قوما مفسدين، وهؤلاء القوم كانوا يتحدثون بلغة غريبة غير مفهومة .
قال تعالى في سورة الكهف“حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ”
طلب قوم آخرين وهم جيران يأجوج ومأجوج من ذو القرنين أن يحميهم من يأجوج ومأجوج وبأن يجعل بينهم سداً مقابل بعض المال، حيث وجدوه ملكاً عادلاً أتاه الله من القوة والحكمة فطلبوا منه المساعدة فوافق ذو القرنين ولكنه لم يأخذ المال منهم وزهد فيه، وقد استخدم ذو القرنين في بناء هذا السد هندسة رائعة حيث ألهمه الله سبحانه وتعالى بذلك وأتاه العلم والحكمة، فقام بجمع الحديد ووضعه في الفتحة حتى تساوت مع قمة الجبلين ثم أوقد النيران عليها وسكب عليه النحاس المذاب حتى أصبح صلباً شديد القوة فسد الفجوة ومنع الطريق عن يأجوج ومأجوج .
وما يحول بين خروج ومأجوج إلى السد العظيم الذي بناه ذو القرنين، فصار ذلك السد حائلا بينهم وبين الوصول إلى الناس، وهم خلف ذلك السد لهم حياتهم ومعيشتهم الخاصة ولا يزالون منذ ذلك الوقت حتى الآن يحفرون وينقبون ويجتهدون في سبيل هدم السد الذي بناه ذو القرنين والخروج إلى الناس .
العبرةعلى الرغم من الحكمة والقوة والعلم الذي أعطاهم الله سبحانه وتعالى لذو القرنين فهو لم يغتر بقوته وحكمته، فقد جال شرقاً وغرباً ليدعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وحكم العالم بالعدل والإحسان، وكان ملكاً صالحاً يساعد المحتاجين والضعفاء ويمنع عنهم الشر والأذى، وعلى الرغم من فتوحاته العظيمة وحكمه الشاسع إلا أنه زهد في الدنيا ومالها وزينتها ولم يستغل حكمه وسلطته يوماً .