كان يا ما كان في قديم الزمان،وفي ليلة مظلمة شديدة البرودة ، وضعت الأم طفلها الصغير في المشفى ، بعد إعياء طويل ، فلاحظ الطبيب أن الأم لا ترتدى خاتم الزفاف في إصبعها ؛ فظن أنها غير متزوجة ، وأن طفلها هو طفل غير شرعي ،وبعد ساعات قليلة من الولادة فارقت الأم الحياة ، وتم إيداع الصبي بمؤسسة لرعاية الأطفال .
نشأ الصبي مع ثلاثين طفل أخر في مؤسسة الأطفال ، في جو من القسوة والجوع ، فقد كان الطعام المقدم لهم قليل جدًا وسيء المذاق ، الأمر الذى جعل الأطفال يتصارعون على الطعام ، ويخطفونه من بعضهم البعض .
وفي يوم من الأيام اتفق الأطفال على عمل قرعة فيما بينهم ليطلبوا من الطاهي أن يزيد لهم كمية الطعام الممنوحة ، ولسوء الحظ وقع الاختيار على أوليفر ، ذلك الطفل الهزيل الضعيف ، الذى لم يكن يجرأ على الحديث .
وما إن سمع الطاهي طلب الطفل حتى عنفه ، ونقل الأمر إلى الإدارة ، حيث السيد والسيدة بامبل ؛ ذلك الثنائي عديم الرحمة ، فقد كانا يأكلان الدجاج واللحوم ، ويقدمان للأطفال البقول .
إنزعج السيد بامبل كثيرًا من تصرف أوليفر تويست ، وأرسله للعمل مع السيد سويربيري الحانوتي ؛ الذى كان يحتاج صبيًا لمساعدته ، وهو وصبيه نوح كلايبول في دفن الموتى ، لم يكن الحال في منزل السيد سويربيري الحانوتي ، أفضل كثيرًا من المؤسسة ، فقد كان مذاق الطعام أيضا سيء .
وكان هناك نوح كلايبول ذلك الفتي ذو الخمسة عشر عامًا الذي لم يترك فرصة واحدة الا وتسبب في التضييق على أوليفر بكلماته اللاذعة ؛ حتى وصل به الأمر أن سبه بأمه ، الأمر الذي أغضب أوليفر كثيرًا فلكمه في وجهه ، وأخذا يتقاتلان ، فما أن رأتهما السيدة سويربيري حتى عنفتهم ، وأخذت صف نوح كلايبول .
شعر أوليفر تويست أنه في المكان الخطأ ، وقرر الفرار إلى لندن ، لعله يجد حياة كريمة ، وعيشة أفضل ، وهناك قابل الفتى طفلاَ آخر يدعى جاك دوكينز ، قدم له وجبة شهية ، وأخبره عن فاجين الذي يأوي الأطفال ويساعدهم دون مقابل .
وهنا انفرجت أسارير الطفل ، وشعر أنه على بداية الطريق ، ولكن ما رآه بعد ذلك جعله يدرك أنه وقع في أيدى عصابة تستغل الأطفال في أعمال السرقة والنهب ، لقد كان فاجين رجلا رث الثياب ، كريه الرائحة ، غليظ الطباع ، ولكنه شديد الذكاء ، كان يستخدم الاطفال في السرقة ، ويدربهم على ذلك حتى يحصل على المال .
بدأ فاجين في تعليم أوليفر تويست السرقة ، في وكره الخاص إلى أن جاء اليوم الذي أرسله فيه مع اثنين من صبيانه وهما جاك دوكينز ، وتشارلي بيتس ، لسرقة منديل أحد السادة المارين بشوارع لندن .
خرج السيد براونلو في ذلك الوقت لشراء بعض الكتب ، وأثناء تصفحه لكتاب غافله جاك ، وتشارلي وسرقا منديله وهربا ، وجرى خلفهما أوليفر ، وظن العامة أن أوليفر هو السارق ، فقبضوا عليه واقتادوه إلى الشرطة .
وهناك شهد صاحب متجر الكتب أنه ليس السارق ، فقد شاهد جاك وهو يسحب المنديل من معطف السيد براونلو ، وظهرت على أوليفر علامات الإعياء الشديد ، وخر مغشيًا عليه ، فأشفق عليه السيد براونلو .
واصطحبه معه إلى منزله ، وهناك ولأول مرة يشعر أوليفر بالسعادة ؛ فالسيد براونلو رجل نبيل يعامله جيدا ، ويعلمه القراءة .
كان فاجين في ذلك الوقت يراقب أوليفر من بعيد ، ويتابع أخباره ، وحينما سنحت له الفرصة للقبض عليه ، وإعادته إلى الوكر لم يضيعها ؛ فقد أرسل السيد براونلو أوليفر تويست إلى صاحب متجر الكتب ليعطيه ثمن الكتب التي اشتراها .
ولكن فاجين وصبيانه بمساعدة من نانسي تلك الفتاة التي رباها في الوكر ، استطاعوا أن يقبضوا عليه ، ويهربوا به بعيدًا ، وظن السيد براونلو أن أوليفر هرب بالمال ، وأحزنه ذلك كثيرًا ، فقد رأى فيه من الأصل الطيب ، والقلب السليم ما يجعله يحبه ؛ وقد كان الطفل يشبه كثيرًا لصورة سيدة معلقة في ردهة منزل السيد براونلو .
وفشلت محاولات فاجين في إرغام الطفل على السطو والسرقة ، فقد تعلم عند السيد براونلو أن هذا من الخطأ ، وكانت نانسي فتاة رقيقة القلب ، لم يرضيها ضرب السيد فاجين لأوليفر فحاولت مساعدته وحمايته منه هو وبيل سايكس .
وكان بيل سايكس هو سيدها ، وكان رجلا غليظ القلب يفعل أي شيء من أجل المال ، طلب منه فاجين أن يأخذ أوليفر في عملية سطو جديدة ، وبالفعل أخذه بالقوة وطلب منه أن يساعده ، وما إن دخل إلى المنزل حتى استيقظ الخادم ، وأطلق عليهم النار ؛ فأصابت طلقة ذراع الصغير ، فسقط وهرب بيل مبتعدًا عن المنزل .
وتعاطفت روز مايلى صاحبة المنزل مع الطفل الصغير ، وتركته حتى استرد عافيته ، وحكى لها قصته إلى أن قابل السيد براونلو ، وقد كانت على صلة وطيدة به فاحتفظت بالطفل لحين عودته .
في ذلك الوقت كان فاجين يحيك مؤامرة مع شخص غامض يدعى مونكس ، للإيقاع بأوليفر في الجريمة ، فقد سمعتهم نانسي يتحدثون مع بيل سايكس ، ولكنهم شعروا بوجودها .
خرجت نانسي مسرعًة من منزل بيل لتخبر السيدة روز ، والسيد براونلو بحقيقة ما سمعته ، وحينما عادت قتلها بيل جزاء لخيانتها لهم ، وهرب مسرعًا خوفًا من الشرطة ، وأثناء محاولة هروبه شنق نفسه بالخطأ .
حينما علم السيد براونلو بقتل نانسي أبلغ الشرطة ، فخاف فاجين وهرب هو وصبيانه بعيدًا إلى أن تم القبض عليه وإعدامه شنقًا ، وأرغم السيد براونلو مونكس ذلك الغامض الذي ظهر فجأة في محاولة لزج أوليفر بالسجن ، على الإدلاء بالسر الذي يخفيه .
فقد كان مونكس أخًا غير شقيق لأوليفر تويست ، ويدعي إدوارد ليفورد ، فهمًا من نفس الأب ولكنه كان ابنًا فاسد ؛ فحرمه السيد ليفورد من الميراث ، واختص به ابن أجنس زوجته .
وهي المرأة صاحبة الصورة المعلقة في ردهة منزل السيد براونلو ، فأراد إدوارد أن يفسد سمعة أخيه الأصغر أوليفر حتى يحرم هو الأخر من الميراث ، ويستولى عليه لنفسه .
هنا اشتبكت خيوط القصة في ذهن السيد براونلو ؛ خاصة بعد أن أخبره بأنه وراء سرقة الخاتم الذي كان في يد أجنس والدة أوليفر ، والذي يثبت زواجها من والده .
أقنع السيد براونلو أوليفر بمنح إدوارد حقه من الميراث ، فسافر معه إلى أمريكا ، وهناك بدد ثروته وحكم عليه بالسجن ومات هناك ، أما أوليفر فانتقل للعيش مع السيد براونلو والسيدة روز مايلى ، والتي عرفت أنها خالته الشقيقة لأمه ، وتعلم القراءة والكتابة ، وأصبح طفلا نجيبًا لا يفكر في الماضي .
أما السيد والسيدة بامبل فقد أفلسا وانتقلا للخدمة بالمؤسسة ، بعد أن كانا في موقع الإدارة ، وانتهت قصة الطفل اليتيم البائس لتبدأ قصة أخرى لطفل أكثر حظًا ، إنه أوليفر تويست .