
في صباح أحد الأيام، فرشت شمس الربيع الأرض بالضياء واستيقظ الأطفال وفتحوا النوافذ لشمس الربيع وخرجت العصافير من أجنحة أمهاتها واستيقظت الحيوانات في غابات الحيوانات الكبيرة والحيوانات الصغيرة ، هكذا أيقظت شمس الربيع كل الكائنات .
لقد أيقظت شمس الربيع الكائنات التي تطير ، والكائنات التي لا تطير التي تعيش في الجحور ، والتي تعيش في الأشجار الكبيرة والصغيرة ، والضعيفة والقوية ، والطويلة والقصيرة ، الأسد بزئيره ، والعصافير بتغريدها ، والديك بصياحه ، والحصان بصهيله ، والنحل بأزيزه ، والحمار بنهيقه ، والثور بخواره ، والحمامة بهديلها ، والذئب بعوائه .
فذهب الأطفال إلى مدارسهم والناس إلى أعمالهم ، والعصافير فردت أجنحتها وطارت تستقبل شمس الربيع ، وحيوانات الغابة خرجت تبحث عن طعامها وأسراب النحل بدأت تتجول بين أزهار الربيع تأخذ منها رحيقها ، وفي الحقول التي ليس لها نهاية ، وتحولت الأرض إلى بساط أخضر وأبيض وأصفر والشمس هناك في سمائها الزرقاء الصافية ، ترسل أشعتها الذهبية الدافئة ، وهي سعيدة بأيام الربيع .
فقد ذهب الشتاء بريحه وأمطاره وبرده القارص وثلوجه ، والشمس الآن تحتضن كل الكائنات بدفئها وحنانها ، ولكن لا ليس كل الكائنات فقد تذكرت أن عصفورًا صغيرًا ، سقط في جوف شجرة السرو والذي لا تصل إليه أشعة شمس الربيع ، وهو الآن يصرخ مستغيثًا لكن لا أحد يسمع منه نداه ، غزلت الشمس من أشعتها سلمًا ، وأرسلته إلى طائر السنونو ، جاء إليها طائر السنونو وهو سعيد لأن الشمس تناديه في سمائها العالية .
قالت الشمس : يا طائر السنونو ، أنت أسرع العصافير ، اذهب إلى شجرة السرو البعيدة ،
فذهب ولكنه عاد حزينًا وقال للشمس : لقد وجدته لكنه كان بعيد عني ، انه في قاع الشجرة ومنقاري صغير ورقيق ، لم أستطع إنقاذه .
أرسلت الشمس سلمها الذهبي إلى نقار الخشب ، وعندما جاء قالت له : عليك أن تذهب إلى شجرة السرو البعيدة ، في الغابة البعيدة ، في جوفها عصفورًا صغيرًا أخضر لا يستطيع الخروج ، خلصه من ظلامها وافرش له بساطًا من أشعتي .
قال نقار الخشب : ان منقاري قوي ، يستطيع أن يصنع فجوة ، في جذعها لكن جسمي ضعيف وجناحي صغيران لابد من مساعدة !
أرسلت الشمس سلمها الذهبي إلى طائر الحر ، سيد الفضاء الواسع ، النسر ، وعندما جاء قالت له : اذهب إلى شجرة السرو ، وعلى جناحك نقار الخشب أنقذ عصفور صغير في جوف الشجرة ، احمله على جناحك ، ونقار الخشب سيصل هناك وعليك أن تنتظر حتى ينتهي من مهمته ، ثم أحضرهما معًا على جناحك ، هيا هيا لا تضيع الوقت ، فالسكان في صباح آخر ، يتحدثون عني وينتظرون اشراقتي .
طار النسر وعلى جناحه يحمل نقار الخشب ، وبعد طيران طويل وصل إلى شجرة السرو البعيدة ، وعندما رآها صاح أنا في حياتي لم أرى أكبر من هذه الشجرة ، سيتحطم منقاري قبل أن أرى العصفور الأخضر .
قال له النسر وهو يستريح على غصن قريب ، إن الشمس سترحل بعد ساعة ، وعليك أن تنتهي من مهمتك قبل رحيلها . بدأ نقار الخشب في نقر جذع الشجرة ، لكن جذع الشجرة لم يطاوعه فقد كان جافًا وغليظًا ، فلم يحفر فيه إلا قليل.
قال للنسر : تعالى وساعدني.
أجابه النسر : أنت تعلم أن منقاري معقوف ، أقطع به اللحم ولا أحفر به الخشب ، عليك أن تسكت وتواصل عملك لأن الشمس على وشك الرحيل .
واصل نقار الخشب الحفر في جذع الشجرة ، حتى سمع صوت العصفور الأخضر ، يأتيه من بعيد ، صاح : إنني أسمع صوته ، وواصل الحفر بكل قوة ، وأخيرًا صنع فجوة في جذع الشجرة ، دخل منها ولكنه لم يرى شيئًا في الظلام ، فتبع الصوت ووصل أخيرًا إلى حيث العصفور الأخضر ، تعثر كثيرًا وسقط كثيرًا. كان العصفور صغيرا جدًا ، رفعه بمنقاره وخرج به من جذع الشجرة ، قال النسر وهو يصفق بجناحيه فرحًا : هيا استرح على جناحي وعصفورك الأخضر ، إن الشمس تتهيأ للرحيل ، ثم طار بهم يشق سماء الربيع كأنه نسيمها .
استقبلتهم الشمس بدفئها وحنانها وجاءت عصافير الغابة وطيورها ، وبنوا عشًا جميلاً للعصفور الأخضر ، بعدما أطمأنت الشمس على عصفورها الأخضر ، ودعتهم وقالت : انتظروني أيها الأعزاء .. سأعود إليكم غدًا صباحًا ، وسيكون صباحًا جميلاً ، نامت كل الكائنات في انتظار صباح آخر جميل من شمس الربيع .