قصة قارون و المال
في زمن موسى عليه السلام كان يوجد رجل من بني إسرائيل اسمه قارون، أعطاه الله مالا كثيرا، وأفاض عليه من رزقه، وكان من شدة ثرائه أن عصبة من الرجال الأشداء لا يستطيعون حمل مفاتيح خزائنه.
ومع كل ما أنعم الله به على قارون كان جاحدا لا يقر بنعمة الله عليه، ويدعي أنه صاحب الفضل في ذلك فدعاه بعض العقلاء من قومه إلى التوبة، وأن يبتغ بماله هذا رضا الله سبحانه وتعالى، ولا يتكبر به على الناس.
قال تعالى: “۞ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ” (القصص:76)
لم يتقبل قرون تلك النصيحة الصادقة، واستمر في طغيانه وتكبره، وقال لهم:”قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ ” (القصص:78).
ونسى قرون أن الله الذي أعطاه ذلك المال قادر على أن يسلبه منه ويهلكه.. “أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ” (القصص:78)
خرج قارون ذات يوم في موكب ضخم: ليتباهى أمام الناس بما أنعم الله عليه من مال وسلطان،فقال بعض ضعفاء النفوس من الناس: “يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” (القصص: 79)
ظن هؤلاء الناسأن قارون امتلك كل شيء بماله، وتمنوا أن يصبحوا في مثل سلطانه، ويكون لديهم مال وفير مثله. وهنا تدخل بعض المؤمنين بالنصح، فقالوا لأولئك الطامعين في مال قارون وسلطانه: “وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ” (القصص:80)
أراد هؤلاء الصالحو أن يعلموهم أن الخير والسعادة في ابتغاء رضا الله والفوز بجنته ونعيمه، وأن نعيم الدنيا إلى زوال.وذات يوم أصبح الناس على أمر عجيب! لقد خسف الله بقارون وقصره الأرض، فلم يعد لهم أثر، فقد أراد الله أن يبين للناس حقيقة الدنيا، وأن عصاب الله للظالم المسيء قائم في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: “فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ” (القصص: 81)
وهنا أدرك الناس الحقيقة، وآمنوا بقدرة الله سبحانه وتعالى، فوقفوا على بقايا القصر الذي كانوا ينظرون إليه ويتمنون أن يسكنوه. فقد ذهب القصر، وضاع المال، وأضحى مقبرة لمن تفاخر وتكبر به يوما.. قال تعالى: “وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” (القصص: 82)
وفي نهاية القصة يقرر الله سبحانه وتعالى حقيقة الدنيا، ويعلمنا أن الآخرة هي الدار الحقيقية التي يجب أن نعمل لها.. قال تعالى: “تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” (القصص:83)