قصة لماذا تبكي ييا بني
في يوم من ذات الأيام عاد أبو ربيع من عمله متأخراً وهو يشعر بالجوع الشديد، وبمجرد أن دخل إلى منزله، طلب فوراً من زوجته أن تحضر له الطعام من شدة الجوع والتعب .وبينما كانت زوجته تحضر له الطعام، شعر أبو ربيع أنها مهمومة وتفكر في شيء يشغل بالها، وعندما سألها عن حالها همست له في حزن : ابنك ربيع لا يريد أن يتناول الطعام معنا اليوم وهو في غرفته يبكي منذ أن عاد من المدرسة، اعتدل أبو ربيع في جلسته بعدما أصابه القلق على ابنه.
فسأل زوجته في اهتمام : ماذا تقولين ؟ لماذا يبكي ربيع ؟ لم ينتظر أبو ربيع جواب زوجته وإنما أسرع على الفور إلى غرفة ابنه الصغير، طرق الباب في هدوء ثم دخل ليجد ابنه في حالة شديدة من الحزن ودموعه تنهمر على وجهه !
اقترب الوالد من ابنه وربت على كتفيه قائلاً : ماذا بك يا ولدي ؟ ما الذي أحزنك كل هذا الحزن !
ولكن ربيع استمر في البكاء دون أن يجيب، مد أبوه يده إلى رأسه وأخذ يتحسس شعره بلطف وحنان قائلاً : هل أزعجك أحد من زملائك أو ضربك أحد، أم أنك قصرت في واجباتك المدرسية فعاقبك المعلم ؟رفع منصور رأسه في حزن قائلاً : لا يا أبي لا هذا ولا ذاك، وعاد للبكاء من جديد .
قال أبو ربيع في دهشة : إذا ما الذي يبكيك بحرقة يا بني العزيز ؟فمسح ربيع دموعه وهو يقول بحزن : توفي جارنا العم سعيد يا أبي، تعجب الأب كثيراً عندما سمع هذا الخبر قائلاً : هذا هو الذي يبكيك يا ولدي ؟إنه رجل عجوز قد شبع من الدنيا، ولا أظن أن أحداً من أبنائه قد بكى لموته مثل بكائك هذا، عجبت لأمرك يا ربيع، وهل إن مت أنا ستبكي لوفاتي هكذا مثل بكائك لوفاة جارنا العم سعيد ؟ والله لا أظن هذا، دعك من البكاء الآن فهو شيخ هرم إستراح من الدنيا ومشاكلها وهيا يا بني لنتناول الطعام فأنا أموت جوعاً .
نظر ربيع إلي والده نظرة عتاب وهو يقول : لا يا أبي لن أتوقف عن البكاء لوفاة العم سعيد، فقد كان دائماً يصطحبني إلى المسجد ويعلمني القرآن الكريم، وينصحني بمرافقة الصالحين، وكان يرعاني دائماً كأنني واحد من أبنائه وكان يحبني ويخاف علي ويسأل عني إن غبت أو مرضت أو تأخرت .
قل يا أبي كيف لا أبكي وقد كان لي نعم الأب ونعم الأخ والصديق ،كيف لا أبكيه يا أبي وقد كان حريصا علي وعلى مصلحتي بينما أنت غافل عني لا تهتم بي ولا تسألني عن صلاتي ولا عن أصحابي ولا تذهب معي للمسجد لأداء الصلاه أبداً ولا تحرص أنت عليها، ولا هم لك إلا جمع المال وملذات الدنيا، كيف تريد مني أن أبكيك مثل بكائي على هذا الشيخ الصالح ؟
سمع أبو ربيع هذه الكلمات فاقشعر جسده وأحس كأنها نار أحرقته، نهض من مكانه وغادر غرفة ولده الذي انهمر في البكاء من جديد.
أخذ أبو ربيع يفكر في كلمات ابنه ويراجع نفسه، فشعر بالتقصير الشديد وأحس بالحزن والندم وأخذ يردد : معك حق يا بني، فلم أكن لك مثل جارنا العم سعيد رحمة الله .
الآن فقط أدركت كم كنت مقصراً في رعايتك وتربيتك وانشغلت بالعمل وجمع المال، والآن لابد أن أتوب وأرجع إلى الله عز وجل لأعوضك عما سبق وأصبح لك مثلما كان العم سعيد رحمه الله.
سمع ربيع كلمات والده عندما كان ذاهباً إلى غرفة والده ليعتذر له عما بدر منه من كلمات موجعة، فطار فرحاً وأخذ يعانق أباه وهو يقول : الأن سأتوقف عن البكاء يا أبي، فقد عوضني الله عز وجل عن الشيخ سعيد بخير من يهتم بي ويرشدني إلى الطريق الصحيح .
إنه أنت يا أبي الحمد لله، جعل في موت العم سعيد هدايتك ورجعوك إلى الله يا أبي، فالعم سعيد ساعدني حتى وهو ميت .
كانت أم ربيع تراقب المشهد ودموعها تسيل على خديها، توجهت نحو القبلة وسجدت لله شاكرة علي توبة زوجها الذي تاب على يد ولدها الصغير ربيع .