في يوم من ذات الأيام نادت فاطمة أم سمير ابنها قائلة:
هيا يا سمير، غير ملابسك واستعد مع والدك لاستقبال قريبنا العم سعيد، فهو ابن خالة والدك، إنه رجل ذو خلق ودين، وهو يسكن في الريف، و نزل المدينة اليوم لإبتياع بعض الحاجيات و والدك دعاه للإفطار عندنا اليوم .
وفعلا نفذ سمير كلام والدته، ثم قرع باب المنزل ليطل عليهم رجل شائب أنيق الملبس، صافي النظرات، ارتاحت له نفس سمير كثيراً فلم يبعد عنه في المجلس .
وبعد الإفطار، بدأت الغيوم تتلبد في السماء، ثم جاء الرعد والبرق، نظر الجميع من النافذة والتفت والد سمير لضيفه العزيز قائلا:أنت الليلة ضيفنا يا ابن خالتي، فقال العم سعيد: جزاك الله خيرا ولكن كم سيحزن إخوتي وعائلتي، فلقد تعودنا أن نحيي ليلة القدر معاً في العشر الأواخر .
قال الوالد موجهاً سؤاله للعم سعيد : افتتح لنا مجلسنا هذا بالسورة التي تحدثت عن هذه الليلة المباركة، فأنت ذو صوت رخيم في تلاوة القرآن الكريم.استعاذ الشاب من الشيطان الرجيم وتلا: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) صدق الله العظيم .
قال الأب : لعل أعظم حدث في ليلة القدر أن القرآن الكريم أنزل فيها، فقال وقسمات وجهه قد ملئت نوراً .قال العم سعيد: قل ولا تحرج يا أبا سمير، فنزول القرآن هو من أعظم ما شهده الكون كله في سماواته وأرضه، فنحن المسلمين قد منحنا حظ هذه الليلة لنشكر نعمة ربنا علينا، فلو كان للقرآن عيد لكانت ليلة القدر عيداً له .
قال الولد: ومتى تكون ليلة القدر يا أبي ؟ردت والده : ستكون في أي ليلة من الليالي الفردية في العشرة الأواخر من شهر رمضان الكريم بداية من ليلة الواحد والعشرين حتى ليلة التاسع والعشرين، ولم تحدد أي ليلة فيهم هي ليلة القدر طوال الشهر الكريم.
فسأل سمير ،ولكن لماذا يا عمي لا نعلم أي ليلة هي ليلة القدر ؟فقال العم : أولاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ليلة القدر، ثم نساها لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى وهي : أن يتحفز الناس للعبادة والدعاء في كل العشر، وأن لا يخصوا ليلة منها بعينها، والدليل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه : خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى(تخاصم) رجلان من المسلمين فقال : خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى (أي تخاصم )فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة .وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنُسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر” أي الأوخر . فهذان الحديثان يبينان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها، ويبينان نسيانه لها تحديداً .
ثم قال سمير : لماذا هي خير من ألف شهر؟قال العم : يا سمير إن ليلة القدر هي أعظم الليالي فهي الليلة التي نجتهد فيها بالصلاة والتعبد لله سبحانه وتعالى وتلاوة القرآن، فهي ليلة خير من ألف شهر أي أنها أفضل من ثلاث وثمانين عاما.هي ليلة يلتقي فيها أهل السماء بأهل الأرض، ليلة تعج بالملائكة الأطهار الذين ينزلون بأمر من الله بقيادة أمين الوحي جبريل عليه السلام، ليلة امتلأت فيها الأرض بنور السماء، وهي الليلة التي أنزل فيها القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويعرج فيها الملائكة بأمر من الله سبحانه وتعالى إلى الأرض ليروا القائمين والمتعبدين والمسبحين فلذلك نحن نرجو رحمة الله ورضوانه في هذه الليلة.ولو كانت هذه هي ليلة القدر فإن الملائكة الآن يا إخوتي بيننا، فلنتضرع للخالق الكريم نرجو رحمته ونسأله جنته.
قال سمير : أي ليلة أنت يا ليلة القدر، نفحات الإيمان وعبير القرآن يا ليلة العمر، سأغنم كل الخير بليلة هي خير من ألف شهر، ما أعظمها من ليلة، سوف أفوز كل ليلة بركعات من الصلاة وآيات القرآن الكريم.