إن المائدة التي نزلت على نبي الله عيسى عليه السلام والحواريين هي أحد المعجزات العظيمة التي أيد الله عز وجل بها نبيه.
وقد ذكرت قصة المائدة في سورة المائدة التي سميت بهذا الاسم لأنها تتضمن قصة المائدة التي أنزلها الله تعالى من السماء عندما دعا عيسى ابن مريم عليه السلام الله عز وجل أن ينزل المائدة من السماء، لأن من طلب منه ذلك هم أصحابه وتلاميذه الحواريون .
وسمي الحواريون بذلك بسبب إخلاصهم لسيدنا عيسى عليه السلام وتقديم المشورة والنصيحة الصحيحة له في الوقت الذي احتاجها، وبذلك أصبحوا من أصحاب عيسى عليه السلام وأتباعه في تبليغ الدعوة، بالإضافة إلى ذلك ورد ذكرهم في القرآن الكريم وذلك عدّة مرات.
فقال تعالى: ( قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
حيث سمى الله سبحانه وتعالى أنصار عيسى بالحواريين، بسبب قوة إيمانهم وإخلاصهم في نيتهم لله تعالى وطهر سرائرهم من أيّ غشٍ أو نفاق، مما دفعهم لترك الباطل وتلبية نداء الحق، ورغم قلة عددهم لم يخشوا شيئاً ولا حتّى لومة لائم، فأقروا بالإيمان وحده، وكانوا على يقينٍ أن ما جاء به عيسى هو الحق من ربه .
كان عيسى عليه السلام قد أمر الحواريون بصيام ثلاثين يوما ، فلما أتموها سألوا عيسى عليه السلام إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله تعالى قد قبل صيامهم وتكون لهم عيدًا يفطرون عليها يوم فطرهم .
قال تعالى : {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} (المائدة:112 )
ولكن عيسى عليه السلام وعظهم في ذلك وخاف عليهم ألا يقوموا بشكرها، بأن أمرهم بتقوى الله سبحانه، والوقوف عند حدوده، والخوف والخشية منه، وترك مطالبته بأمور تؤدي بالمؤمن إلى الفتنة، فقال لهم: قال تعالى : {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين}.
فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك : قال تعالى { قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} (المائدة:113) .
فقد بينوا في جوابهم أنهم طلبوا نزول المائدة رغبة في أن ينالوا البركة، ولحاجتهم إلى الطعام بعد أن ضيق عليهم بنو إسرائيل في الرزق، وأيضاً لتزداد قلوبهم إيماناً بالله وتصديقاً بما جاءهم من الحق، وأيضاً ليكونوا شهوداً على صدق المعجزات التي جاءهم بها عيسى عليه السلام عند الذين لم يشهدوها.فلما ألحوا عليه أخذ يتضرع إلى الله تعالى في الدعاء والسؤال بأن يستجيب لهم الله لما طلبوا .قال تعالى : {قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين} (المائدة:114) .
فقد طلب عيسى عليه السلام من ربه سبحانه أن ينزل على أنصاره رزقاً من السماء، يكون يوم نزوله عيداً يحتفلون به، ويبتهجون، ويتقربون به إلى الله عز وجل على ما رزقهم من الطيبات، ويكون أيضاً عيداً لمن يأتي من بعدهم، ممن لم يشهد هذه الآية المعجزة الربانية .
وبالفعل استجاب الله عز وجل ، لكنه حذّرهم من الكفر بعد هذه الآية التي جاءت تلبية لطلبهم.قال تعالى : {قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} .فأخبرهم سبحانه أنه منزل هذه المائدة عليهم؛ إجابة لدعاء رسوله عيسى عليه السلام، وأخبرهم أن من يكفر بعد نزولها، فإنه سوف يعذبه عذاباً شديداً.
فأنزل سبحانه المائدة من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر بين غمامتين ، وجعلت تدنو قليلا قليلا وكلما دنت منهم يسأل عيسى عليه السلام أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها سلامًا وبركة.
فلم تزل تدنو حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي مغطاة كما قيل، فقام عيسى عليه السلام يكشف عنها وهو يقول ( بسم الله خير الرازقين).فإذا عليها من الطعام ما تشتهي الأنفس ويقال أن لها رائحة عظيمة جدًا ،أما عن تحديد نوع الطعام فلم يرد ذكرها في أي موضع .أما عن المكان الذي نزلت فيه المائدة فهو قرية خربة سيلون الواقعة جنوبي أراضي قريوت في محافظة نابلس وبالتحديد إلى الشمال من قرية ترمسعيا قضاء رام الله .ثم أمرهم عيسى عليه السلام بالأكل منها ،وطلب عليه السلام من الفقراء والمحتاجين والمرضى وأصحاب العاهات أىن يأكلوا منها .
وقيل كانوا قرابة الألف وثلاثمائة الذين أكلوا من هذه المائدة ،فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أو آفة أو مرض مزمن ، واستغنى الفقراء وصاروا أغنياء فندم الناس الذين لم يأكلوا منها لما رأوا من إصلاح حال أولئك الذين أكلوا.ثم صعدت المائدة إلى السماء وهم ينظرون إليها حتى توارت عن أعينهم.وقيل : أن هذه المائدة كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها ، فيأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل : إنه كان يأكل منها كل يوم سبعة آلاف شخص.ثم أمر الله تعالى أن يقصرها على الفقراء دون الأغنياء، فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منَفقوهم في ذلك فرفعت ومُسخ الذين تكلموا في ذلك من المنافقين .
نزلت المائدة ، وأكل الحواريون منها ، وظلوا على إيمانهم وتصديقهم لعيسى عليه السلام إلا رجل واحد كفر بعد رفع عيسى عليه السلام .