في قديم الزمان كان هناك رجل صالح كبر في السن وكان عنده من المال الكثير ،وكان له ابن قد أحسن تربيته ،كان الإبن يحب أباه كثيرا ويسمع كلامه ولا يعصي له أمرا وكان تقي وبر بوالده وكان الوريث الوحيد له .فلما مرض الأب واحس أن موته قد بات قريبا ،خاف على إبنه من مهالك الشيطان وأصدقاء السوء فأراد أن ينصح إبنه بأن يبتعد عن مهلكات الدنيا والآخرة كشرب الخمر والزنا و القمار ..
فقال الأب يا بني :1- إن اردت أن تشرب الخمر فلا تشربها إلا بعد منتصف الليل .2- وإن اردت أن تزني فلا تزني إلا في جوف الليل أو بعد الفجر .3- وإن اردت أن تلعب القمار فلا تلعبه قبل أن تقابل شيخ المقامرين .وهذه وصيتي لك يا بني العزيز .
فلما مات الأب وشعر الإبن بالوحدة قرر أن يؤنس وحدته ويتمتع بحياته، فعنده من المال الكثير ما يساعده على فعل ذلك فأراد أن يشرب الخمر ولكن تذكر وصية أبيه فقال لن أشرب الخمر إلا بعد منتصف الليل كما قال والدي .
وعندما ذهب إلى الحانة بعد منتصف الليل ليشرب الخمر رأى ما ذهله فالسكارى لا يعقلون شيئا ولا حتى يعقلون من هم ،ومنهم من تملك منه شرب الخمر يساعده ولا يدري أين هو ،ومنهم ومن تقيأ ومن لا يعرف ماذا يقول أو يفعل ،فرآهم بلا عقول وكره ما رأى منهم .
فقال لنفسه لو شربت الخمر سأكون مثل هؤلاء ،فقال لن أشرب الخمر أبدا ،رجع إلى بيته وقرر ترك فكرة شرب الخمر ،وعاد لحياته ولكنه سرعان ما ضجر مرة أخرى فقرر أن يزني .
ولكن تذكر وصية أبيه ألا يزني إلا في جوف الليل أو بعد الفجر ،فعندما ذهب إلى أحد البيوت المتخصصة بذلك ودخل على واحدة منهن ليزني بها فشاهد ما ذهله ،حيث وجد امرأة وجهها لا يظهر منه إلا مجموعة من الألوان على بعضها فهي امرأة تفعل ذلك طول الليل فأصبح لون الحواجب على لون الخدود على لون الوجه جميع ما كانت تتزين به مختلط فأصبح على بعضه لا تفرق بينهم فكره ذلك وفجأة وجد رجل خارجا من الغرفة ذاتها فكرهها أكثر وتركها وخرج وقال لنفسه لن ازني أبدا .
ضجر مرة أخرى وأراد أن يلعب القمار وتذكر وصية والده ألا يلعبه قبل أن يقابل شيخ المقامرين،فذهب يبحث عن شيخ المقامرين ،فسأل عنه هنا وهناك إلى أن دلوه عليه وقالوا له أنه موجود فوق جبل ،فذهب إليه فوجده في بيت من الخوص .فقال له الفتى : أأنت شيخ المقامرين .قال له : نعم يا بني ما حكايتك ،فقص عليه الفتى حكايته كلها .ثم أكمل حكايته فقال : فأردت أن العب القمار ولكن والدي قال ألا ألعب قبل أن أقابلكقال له الشيخ : يا بني هل ترى ما تحت هذا الجبل من الأراضي إلى نهاية بصرك ،قال هذا كله كان ملك لي وكان لي من القصور ما كان وكان لي زوجات وبيوت وها أنا الأن أسكن في هذا البيت من الخوص والقش وأعيش على صدقات الناس .
هل تريد أن تعرف ما سبب هذا ؟ إنه القمار فقد خسرت كل أملاكي وأهلي واحترام الناس لي كل ذلك خسرته في المقامرة .وقال له يا بني إن أبيك لم ينهاك عن فعل شيء ،ولكن جعل النهي يأتي منك أنت ،فهو أراد لك ألا تفعل هذا كله لأنه أراد لك الدنيا والآخرة ولكن ترك لك الحكم .
فهم الفتى المغزى من كلام الشيخ ،وعلم أن أباه أراد له الحياة المستقيمة التي ستنفعه وتعينه في دنياه ،عاد إلى بيته مسرورا وأحس وكأنما طيف والده يراه ،بعد ذلك فتح تجارة بأموال أبيه التي ورثها عنه ،وتزوج من فتاة طيبة الأصل وعاش معها في ثبات ونبات .