قصة يوم الحصاد

يحكى عن رجل يدعى صالح ،كان صالح يعيش سعيداً مع زوجته وولديه عابد وأمين وكان يسكن في قرية صغيرة ولديه مزرعة صغيرة.لم يكن له عمل غير الزراعة التي ورثها عن أبيه، ولم يتلق صالح من التعليم إلا التعاليم الأولى التي أتيحت له في وقته لدى شيخ القرية حيث حفظ شيئاً من القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة ولم يلبث أن انخرط في العمل، ولكنه لم يتوقف عن تثقيف نفسه في حدود ما يتاح له من كتب شرعية تساعده على المضي في هذه الحياة وعلى الوجه الذي يرضاه الله.
وعندما كبر ولداه لم يرد لهما أن يتوقفا عن التعلم، فزمانهما غير زمانه، ولذا فقد شجعهما على المضي في العلم لاسيما وأن القرية لم تكن بعيدة عن المدينة التي فيها المدارس والجامعات.
وهكذا بعد أن كبر أبنائه عابد وأمين درس في الجامعة تلبية لرغبة والدهما، فقد درس عابد في كلية الزراعة وأخذ يطور الأساليب الزراعية في قريته، أما أمين فقد أصبح مدرسا في مدرسة القرية.
وخلال فترة دراستهما لم ينقطعا عن مساعدة والدهما في عمله بالزراعة التي تدر على الأسرة دخلاً طيباً، وقد ألفا حياة الريف بعيدا عن صخب المدينة.وهكذا فإنهما بعد وفاة والدهما استمرا يعملان في المزرعة بأيديهما ولم يفكرا في النزوح إلى المدينة كما فعل غيرهما ممن تلقى تعليمه الثانوي أو الجامعي من شباب القرية .
كان يوم الحصاد يوما متعبا، فقد بدأ العمل كالعادة بعد انقضاء صلاة الفجر، واستمر حتى المغرب.
وما تخلل ذلك سوى فترات قصيرة من الراحة لأداء الصلوات وتناول شيء يسير من الطعام، وعندما حل الغروب كان المحصول قد وضع في ثلاث أكوام، كومتان كبيرتان واحدة لعابد وأخرى لأمين، وكومة ثالثة أصغر وهي حصة الزكاة التي ستوزع على فقراء القرية .وبعد صلاة المغرب هم أمين بالانصراف إلى بيته فناداه عابد : إلى أين يا أخي ؟أجاب أمين : إلى البيت، أليست متعباً مثلي ؟نسيت يا أخي قول الله تعالى : ” وآتوا حقه يوم حصاده ” سورة الانعام 141 .لا لم أنسى ذلك، ولكني متعب الآن وسنوزع الزكاة غداً .فقال عابد :اليوم يوم حصاده يا أخي !!فرد أمين : نعم ولكن لماذا التمسك بالنصوص بهذا الشكل، انني لا أتهرب من توزيع الزكاة وأنت تعلم هذا جيداً، إن التمسك بروح الدين الإسلامي هو المطلوب وما هنالك من فرق بين اليوم وغداً .
فقال عابد : نعم أوافق على هذا وعندي عليه دليل، الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ندب أصحابه رضي الله عنهم لغزو بني قريظة بعد غزوة الأحزاب حثهم على صلاة العصر في بني قريظة ففهم بعضهم أنه امرهم بالصلاة هناك، وما صلوا إلا بعد أن وصلوا، وأما آخرون ففهموا أنها كانت للحث على الإسراع فصلوا في الطريق عندما أدركهم وقت الصلاة، وما عاب بعضهم بعضاً ولا عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم احداً من الفريقين .
قال أمين : مادام الأمر عندك كذلك، فدعنا نستريح اليوم ونواصل غداً .قال عابد : جميل ولكن من يضمن لي البقاء للغد ؟فقال أمين : إن جاء الأجل فسيحاسبك الله على نيتك .قال عابد : هذا صحيح، ولكني أطمع في ثواب أكبر، أريد ثواب النية والعمل .فرد عليه أمين : أكثر الله من أمثالك يا أخي ولكن أتوقع أن يكون الناس كلهم مثلك ؟قال عابد : إنني أريد أن آخذ بالعزيمة، ولا أجبر الناس عليها إلا من باب النصيحة، فمن أخذ بها فالأجر له، ومن لم يأخذ بها لا انتقص دينه مادام متمسكاً بالإسلام .فكان رد أمين : لقد أفحمتني يا أخي وسأذهب معك لتوزيع حصة الزكاة .
وما حان وقت العشاء إلا وقد فرغا من توزيع الزكاة على فقراء القرية وبعد الصلاة انصرف كل منهما إلى بيته، أما عابد فقد كان متزوجاً وقد وجد زوجته بانتظاره وقد أعدت طعام العشاء.
وأما أمين فلما يكن قد تزوج بعد، ولذا فإنه آثر أن يأوي إلى فراشة رغم الجوع، إذ لم يكن قادرا على اعداد الطعام، ولكن ما هي إلا لحظات حتى طرق بابه، ولما فتحه وجد ابن أخيه عابد يحمل له طعاماً شهياً فأخذ الطعام وشكره .
تناول الطعام، ثم أوى إلى فراشه، ولكنه لم يستطع النوم، إذ تواردت عليه أفكار وخواطر فقال في نفسه : إن أخي ذو عيال، وحصته من المحصول مثل حصتي، أليس هو بحاجة إلى المال أكثر مني؟.نعم ،فماذا أفعل إذا ؟إنه لن يقبل أن أعطيه شيئا ولو يسيرا من حصتي فما العمل؟
أما عابد فقد ذهب هو الآخر إلى فراشه وتظاهر بالنوم أمام زوجته، فهو الآخر قد انهالت عليه مشاعر وخواطر فقال لنفسه : إن أخي لما يتزوج بعد، وحصته من المحصول مثل حصتي، وهو بحاجة إلى المال أكثر مني، فالزواج هذه الأيام يتطلب كثيرا من المال!، ماذا يمكنني أن أفعل؟
وفي منتصف الليل، كانت القرية في هدوء تام بعد أن نامت العيون، فتسلل أمين من بيته في هدوء كهدوء القطة، وسار إلى المزرعة وأتى بعربة كبيرة فملأها من كومة المحصول المخصصة له، ثم سار باتجاه کومة أخيه ليفرغ حمولتها هناك.ولكنه في منتصف الطريق بين الكومتين التقى بأخيه عابد وكان هو الآخر قد ملأ عربة كبيرة من حصته وسار ليفرغ حمولتها فوق كومة أخيه .تفاجأ الأخان وعقدت لسانهما المفاجأة، فلم ينطقا أحدهما بكلمة .كانت نظرات العيون أبلغ في التعبير من الكلام، تعانقا في صمت، وسالت الدموع على الخدود.تذكرا والدهما وتربيته لهما وقالا ونعم التربية يا أبانا صالح رحمك الله .

Exit mobile version