قصة السيدة إلينا والسيد سامر
في يوم من الأيام ،كانت هناك فتاة اسمها إلينا تجلس في قاعة الاستقبال في منزلها بالقرية ،مرتدية لباس الحداد الأسود ،ولا تنزع نظرها بعيدا عن صورة زوجها المتوفىَ ،ويجلس بجوارها خادمها لقمان يواسيها بكلماته الطيبة ،ويذكرها بأن الحياة تستمر وكل ما حولها يخرج ويتنزه حتى القطة الصغيرة خرجت للفناء تشتم الهواء .
أما إلينا ظلت عاما كاملا لا تخرج نهائيًا من المنزل ،ويشجعها خادمها على الخروج وعدم الانغماس فى الأحزان أكثر من ذلك ،وفي المقابل تتمسك إلينا بعدم الخروج نهائيا وأنها ستظل تعيش على ذكرياتها مع زوجها المتوفى .
بالرغم من أنها تعلم جيدًا كما يعلم الخادم العجوز لقمان ،بأن زوجها المتوفى كان يسيء معاملتها أحيانا ويخونها ،إلا أنها تحب أن تكون في لقاءها بزوجها فى الحياة الأخرى .
ثم يعاود الخادم العجوز لقمان مرة أخرى المحاوله معها للخروج من أحزانها ،وأن تؤمن بسنة الحياة وتغير ملابس الحداد السوداء وتخرج تزور جيرانها ، لكن إلينا انهمرت فى البكاء مرة أخرى وشد من أذرها الخادم العجوز مرة أخرى ،وفى تلك الأثناء دق جرس الباب ،فأسرع الخادم ليرى من الزائر ،فأعطت له تعليمات بأن يصرف الزائر فهي لا تستطيع أن تقابل أحدًا .
رجع مره أخرى الخادم العجوز لقمان لها ،حيث تعثر عليه منع الضيف من الدخول ،وأصر الضيف على مقابلة الأرملة بالقوة إذا لزم الأمر ،وهنا قررت الأرملة إلينا استقباله لترى ماذا يريد.
دخل سامر الغرفة دافعًا الخادم العجوز لقمان ،وعرف نفسه بالأرملة أنه ملازم متقاعد فى سلاح المدفعية ،ثم طلب من الأرملة سداد ديون زوجها ،فميعاد استحقاق الديون حان أوانه فى الحال وأنه آخر موعد على سداد الدين هو اليوم .
وهنا تساءلت الأرملة سر استدانة زوجها المتوفى المبلغ الكبير ،فعلمت من سامر أنه اشترى منه الشوفان مقابل الإمضاء على كمبيالات ،وأن معاد سداد فوائد الكمبيالات للبنك الزراعي غدًا ،لذا لابد على الأرملة سداد الدين فورًا .
شردت الأرملة وهي ناظرة إلى السيد سامر ،وقالت له أن بالفعل عليها سداد دين زوجها ،ولكن ليس لديها سيولة اليوم ،وغدًا سيعود مدير أعمالها من المدينة ،وبالتالي فستأمره بدفع الدين ،بالإضافة إلى حالتها النفسية السيئة بسبب ذكرى وفاة زوجها السنوية ،والتي بدورها تجعلها في حالة لا تستطيع التحدث عن أية أمور مادية نهائيًا .
هنا اشتد غضب السيد سامر ،لأن مطلوب منه سداد دين البنك غدًا ،وإلا أشهر افلاسه ،وتفوه بكلمات شديدة اللهجة ،مخبرا إياها عن ما دار خلال الأيام الماضية من سعيه وراء الديّانة للاقتراض من أحدهم دون جدوى .
فلا دخل له بعد ذلك بحالتها النفسية ،وهنا ردت عليه إلينا بتركها المكان فورا فهي غير معتادة على سماع تلك اللهجة ،ولا بيدها أن تفعل له شيء ،وانصرفت وتركته وحيدًا فى الغرفة ثائرًا من شدة الغضب ، وهو يحدث نفسه ماذا سيفعل الآن ،هل سيهرب من الديانة أم ماذا يفعل .
وفجأة قرر أن يظل فى ذلك المنزل حتى تدفع له الأرملة مستحقاته بالكامل ،وجلس وهو غاضب جدا ومغتاظ جدًا ،ثم نادى على الخادم لقمان بتعجرف ليعطيه جرعة من الماء ،وهو يحدث نفسه عن أنه لا يحب الكلام مع النساء ،وأنه أيسر له أن يجلس على برميل ملئ من البارود على أن يتكلم مع امرأة ،فهو يتحدث عن ديون سوف تؤدي إلى إشهار افلاسه وهي تتحدث عن حالتها النفسية السيئة .
ثم يدخل الخادم لقمان ليعطيه الماء ،ويبلغه أن سيدته الأرملة مريضة ،ولن تخرج لتستقبل أحدًا مرة أخرى ،فيطرده سامر من الحجره ،ثم يفتح النافذة وبعد قليل ينادي على الخادم لقمان ،ويطلب لنفسه قدحا من العصير ،ثم نظر متفحصًا نفسه فيجد نفسه مغطى بالتراب ،وحذاؤه قذر وهندامه وشكله غير مرتبين بالمرة ،لدرجة أنه ظن أن السيده كادت تعتقد أنه قاطع طريق ،ولكن لا بأس فالمال فى هذه الحاله أهم من الهندام .
وبعد قليل دخلت السيده الأرمله تلفت انتباهه لأن يتحدث بأسلوب يليق بمعاملة امرأة راقيه ،حيث أن أسلوبه فظ وغير مهذب ،فاشتد غضب سامر نافي تمامًا ،ولكن عند التطرق لموضوع الدين وأنها تنتظر مدير أعمالها لبعد غدا لكي يدفع له .
فماذا سيفعل غدا سوف يشنق نفسه فضلًا عن اشهار افلاسه ،أى انها هي السبب فى وصوله لهذه الحاله من الغضب الشديد ،فهو غير فظ ويحسن معاملة النساء تمامًا ،فهو رأى فى حياته من النساء أكثر مما رأت هي من العصافير .
وأنه ناجى القمر والنجوم وله صولات وجولات عاطفية وغرامية مع النساء ،بين حب وعشق وهجر ،ولكنه الآن لم يعد يهمه النساء ولا غمازات النساء ولا رقتهن ولا أي شيء منهن ،فهن تماسيح من وجهة نظره ،خائنات غير وفيات ،حتى أن القطط أوفي منهن .
وهنا تقاطعه الينا ضاحكة بصوت عالي وبتهكم شديد ،متسائلة إذا كانت المرأة هي غير المخلصة فى الحب فمن المخلص ،هل الرجل هو المخلص واسترجعت بأسي خيانة زوجها وتودده للأخريات ،وهي وفية مخلصة له تمامًا ،بل حتى بعد موته دفنت نفسها بين أربعة جدران ،ولن تنزع لباس الحداد حتى تموت .
وهنا قاطعها سامر ضاحكًا متهكمًا على لباس الحداد ،وعلى دفنها لنفسها في منزلها ،حيث تعد تلك حيلة من حيل النساء فهي كما تقول فى حالة حداد ،إنما لم تنسى أن تضع مساحيق التجميل ،وقاطعته إلينا معترضة على هذه الجرأة التى يحدثها بها.
ثم اشتد غضبها وطلبت منه الانصراف فورًا ،ونكاية به فلن تدفع له أي مال ،وهنا اعترض سامر أنه لا يحب المشاكل بل وجلس مرة أخرى ،مع تكرار مطالبتها له بالانصراف الفوري ،وهو على قراره أنه لن ينصرف إلا إذا أخذ ماله كاملًا .
وهنا نادت السيدة على الخادم وطالبته بإخراج هذا الشخص من المنزل وعند مطالبة الخادم له بتردد في الخروج من المنزل ،ألقي سامر قطعة أثرية من المعدن الذي يزين الطاولة فى وجه الخادم ،وثارت ثورته وطالب هو السيدة هذه المرة أن تتأدب فى الحديث معه وعدم مطالبته فى الخروج مرة أخرى .
وإلا قام بمبارزتها ،وهنا نعتته السيدة الأرملة بأنه دب له حنجرة غليظة ،وتصرفات فظة مثل الوحش وأنها لا تخاف منه ،وإذا كانت له قبضة قوية فهي سوف تقوم بمبارزته كما يريد ،وذهبت لسحب سلاحين بالفعل ،وفي عز ثورته أدرك أن هذه المرأة قوية فهي قررت المبارزة دون خوف ،وبشجاعة تامة دون تردد .
إنها امرأة مميزه ليست ضعيفة ولا مترددة ،حتى أن قتلها يدعو للأسف ،وهنا أعرب بل واعترف سامر بالإعجاب الشديد بها حتى أنه مستعد للتنازل عن أموال الدين بل أن غيظه قد زال تمامًا .
وحضرت إلينا مرة أخرى ،وبيدها سلاحين بالفعل ،أعطته واحد وأخذت الآخر وطلبت منه فى البداية أن يعلمها كيف تطلق الرصاص فهي لم تمسك سلاح في حياتها ولا استخدمته من قبل ،وهنا ارتعش الخادم مطالبا سامر بالانصراف مترجيا اياه ،ثم خرج مسرعًا خارج الغرفة من شدة خوفه .
ومن شدة إعجاب السيد سامر بالسيدة الأرملة ،اعترف لها بحبه الشديد لدرجة أنه لم يتمالك نفسه وانحنى على ركبتيه وعرض عليها الزواج ،فرفضت بشدة فى البداية ،وهددت بأنها سوف تقتله ،فسحب قبعته بدلً من أن يسحب السلاح وهم بالانصراف ،فنادت عليه مرة أخرى فهر مسرعًا نحوهًا ،وأعرب لها عن حبه ورغبته في الزواج منها مرة أخرى وهنا أبدت موافقتها بنعومة شديدة .