قصة هابيل وقابيل في القرآن
قصة قابيل وهابيل من القصص المعبرة والمثيرة التي قصها علينا القرآن الكريم قصة ابني نبينا آدم عليه السلام..
تلك القصة التي جرت وقائعها مع بداية الوجود الإنساني على هذه الأرض والتي انتهت أحداثها بقتل الأخ لأخيه حسداً وعدواناً.
ذكر سبحانه وتعالي أحداث هذه القصة في موضع واحد من كتابه الكريم وهو قوله تعالى : * واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين * المائدة : 27-31..
جاءت هذه الآيات عقب حديث طويل عن رذائل قوم موسى عليه السلام الذين خالفوا نبيهم وامتنعوا عن طاعته والاهتداء بهديه وقالوا له بكل سوء أدب : * فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون * المائدة:24
فنزلت آيات القرآن بقصة قابيل وهابيل تخفيفاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه وتبياناً أن الذين عصوا أنبياءهم واعتدوا عليهم قد مشوا الطريق الذي سلكه قابيل الظالم في عدوانه على أخيه هابيل المظلوم. حيث أن كلاًّ من قابيل وهابيل قدَّم صدقة قربة إلى الله سبحانه فتقبل الله صدقة هابيل لصدقه وإخلاصه ،ولم يتقبل صدقة قابيل لسوء نيته ،وعدم تقواه.
فقال قابيل -على سبيل الحسد لأخيه هابيل : لأقتلنك بسبب قبول صدقتك ،ورفض قبول صدقتي .
فكان رد هابيل على أخيه : إنما يتقبل الله من المتقين.
فكان ردُّ هابيل لأخيه قابيل ردًّا فيه نصح وإرشاد حيث بيَّن له الوسيلة التي تجعل صدقته مقبولة عند الله ألا وهي التقوى ،وصيانة النفس عن كل ما لا يرضاه الله سبحانه. ثم إن هابيل -الأخ الناصح العاقل – انتقل من حال وعظ أخيه بتطهير قلبه من الحسد إلى تذكيره بما تقتضيه رابطة الأخوة من تسامح ،وما تستدعيه لحمة النسب من بر ،فقال لأخيه : لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ،،،
فأخبره أنه إن اعتدى عليه بالقتل ظلماً وحسداً ،فإنه لن يقابله بالفعل نفسه ؛خوفاً من الله ،وكراهية أن يراه سبحانه قاتلاً لأخيه ؛إذ القتل جريمة نكراء شنعاء ،ولاسيما إذا كانت من أخ لأخيه! ثم انتقل هابيل إلى أسلوب آخر في وعظ أخيه وإرشاده ؛إذ أخذ يحذره من سوء المصير إن هو أقبل على تنفيذ فعلته السوداء الهوجاء إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ..
إلا أن قابيل لم يستمع لنصائح أخيه ،وضرب بها عُرْض الحائط ،ثم انساق مع هوى نفسه ،وزينت له نفسه الإقدام على تلك الفعلة الشنعاء ،فارتكب جريمته النكراء ،فقتل أخاه حسداً وظلماً ،فخسر دنياه وآخرته ،خسر دنياه ؛لأنه قتل أخاه أقرب الناس إليه رحماً ،والأخ سند لأخيه وعون له ،وخسر آخرته ؛لأنه ارتكب جريمة من أبشع الجرائم وأفظعها. على أن قابيل القاتل لم يكتف بفعل تلك الجريمة البشعة ،بل ترك أخاه ملقى في العراء ،معرضاً للهوام والوحوش ،ما يدل على قسوة قلبه ،وشنيع فعله ،إلا أن الله سبحانه لا ينسى عباده الصالحين ،فهو يرعاهم بعنايته ورعايته ،ويحفظهم بحفظه وحمايته ،فقد بعث غراباً يحفر في الأرض حفرة ليدفن تلك الجثة الهامدة التي لا حول لها ولا قوة من البشر ..
فلما رأى قابيل -القاتل الظالم – ذلك المشهد ،تحركت فيه عواطف الإنسانية ،وأخذ يلوم نفسه على ما أقدم عليه ،وعاتب نفسه كيف يكون هذا الغراب -وهو من أخس أنواع الطيور – أهدى منه سبيلاً ،فعض أصابع الندامة ،وندم ندماً شديداً ..