قصة قارئ القلوب
كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ، كان هناك رجل مسن يعيش في كوخ بأعماق جبل من الجبال ، وكان ذلك الرجل ينجر الخشب ويصنع منه الملاعق والمغارف المسطحة ، وذات ليلة من ليالي الخريف الحقيقية ، أشعل النار في الموقد ، وهو يقول لنفسه : سأصنع هذه الليلة حذاء من الخيزران .
وبينما هو كذلك ، فإذا بشيء عجيب له وجه سعدان كبير يدخل عليه ، ويقول : أيها الشيخ المحترم ، هل تسمح لي أن أتدفأ على النار قليلاً؟
فقال الرجل المسن: لابأس لابأس تفضل … قال له ذلك وسمح بالاقتراب من الموقد ، ولكنه لم يتمالك نفسه عن الشعور بأن هذا الشئ مثير للريبة والاحتراس ، فراح يقول في قلبه : هذا السعدان ، جاء لأجلي ، قديقبض عليّ ويلتهمني .
ابتسم السعدان وهو يحرك بؤبؤيه الكبيرين ، ويقلبهما ، وقال : أيها الشيخ المحترم ،أيها الشيخ المحترم ، أتريد أن أقول لك ماذا كنت تفكر الآن .
ثم أضاف : هذا السعدان ، جاء لأجلي ، قد يقبض عليّ ويلتهمني ، أليس كذلك !!
دهش الرجل ، وقال في نفسه : يبدو أنه واحد شرير ، فلأستخدم البلطة معه .. غير أن السعدان أعاد من جديد ما فكر به العجوز في قلبه : هذا واحد شرير ، فلأستخدم البلطة معه .
وأخذ الرعب يصيب الرجل ، أكثر وأكثر ، فقال في قلبه : ولكن لا يمكن الهروب.. فردد السعدان ما خطر للعجوز ، وما قاله في قلبه : ولكن الهروب غير ممكن الآن ، ثم أضاف متباهيا : أنا اسمي قارئ القلوب ، وأستطيع قراءة كل ما يخطر في قلب الإنسان .
وأما الرجل فكان يشعر أنه يخسر ويُهزم ، لذلك حاول ألا يفكر بشئ وألا يخطر له شئ ، لكن يستحيل إيقاف توارد الأفكار والخواطر في القلب ، وكان كلما طفا أمر في قلبه ، حزره السعدان وقاله .
لم يكن أمام الرجل أي خيار ، فانطوى إلى جانب الموقد ، وبدأ يطوي عيدان الخيزران وبدأ بصنع الحذاء ، وبينما كان يطوي أحد العيدان ، انفلت من بين يديه وراح يئز بقوة ليطم أخيرا وجه السعدان ، فوجئ قارئ القلوب ، ووثب قائلا : الإنسان مريب جدًا ، هناك أشياء عنده لا يمكنني قراءتها .
ثم فر هاربا إلى أغوار الجبل دون أن يلوي على شئ ، ومنذ ذلك الوقت لم يعد الرجل المسن يخاف قارئ القلوب ، وصار يمارس أعماله بهدوء حتى عندما يأتيه قارئ القلوب للتسلية عنده في البيت…. وانتهت الحكاية .