قصة الذي يطهو في القصر
يُحكى أنه كان هناك إمبراطور عظيم ، والذي كان يحكم بلدًا كبيرًا ، وكانت بلدته مترامية الأطراف ، وقد امتلك هذا الإمبراطور كل وسائل السعادة والراحة ، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يكن سعيدًا ، حيث لم يكن لديه أصدقاء ، ولم يكن هذا بسبب قسوته أو شدته في التعامل مع الآخرين ، ولكن عدم وجود الأصدقاء كان بسبب هيبته ، حيث أن الجميع كان يخشاه ، بما في ذلك الوزراء والمقربين منه .
لم يكن أحد يستطيع أن يحكي أي سر إلى الإمبراطور الذي ظل وحيدًا يعاني من الحزن الشديد ، وكان لا يعرف ماذا يفعل ، أو كيف يمكنه الخروج من هذه الحالة ، حتى فكر في نفسه قائلًا :”إن الناس ينصرفون عني لأنهم يعلمون أنني الإمبراطور ، ولكن يجب عليّ أن أخفي عنهم ذلك إذا أردت أن أحظى بصديق”.
قرر الإمبراطور أن يقوم بتنفيذ فكرته ، فخرج ذات يوم إلى المدينة وهو يرتدي ملابس العامة ، فتقدم حتى وصل حانوت صغير يقوم بتقديم المأكولات والمشروبات بأسعار بسيطة ، ثم جلس بجوار رجل بسيط من عامة الناس ، حيث كان ذلك الرجل يأكل فتة بالأرز ولحم ضأن ، فطلب الإمبراطور أن يأكل نفس طعامه .
وجد الإمبراطور فرصة جيدة ليتجاذب أطراف الحديث مع هذا الرجل البسيط ، حتى تعرّف على اسمه وشرب معه كوبًا من الشاي وفنجانًا من القهوة ، وبدا حديث الرجل ممتعًا ، وقد عرف الإمبراطور أنه يعمل تاجرًا ، حيث أن لديه دكانًا لبيع الأقمشة في السوق ، فذهب معه الإمبراطور وشاهد بضاعته ، وهناك أُعجب بقطعة قماش حرير ، فأخذها ولكن التاجر رفض أن يحصل على ثمنها منه ، حيث أخبره أنها هدية صداقة ومحبة .
كاد الإمبراطور أن يطير من الفرح بعد أن عاد إلى قصره ، حيث أنه قد حصل أخيرًا على صديق حتى تكررت الزيارات إلى هذا الصديق في دكانه ، كما كان يلتقي به عند الحانوت ليتغذيان أو يتعشيان ثم يتسامران معًا ، وقد قال الإمبراطور لصديقه التاجر أنه يعمل في قصر الإمبراطور ، وحينما سأله التاجر عن عمله قال : أنا أطهو في مطبخ القصر .
كان الإمبراطور لا يريد أن يكذب على صديقه ، حيث أنه كان يقوم في بعض الأحيان بدخول المطبخ من أجل إعداد الطعام بنفسه ، لذلك لم يجد حرجًا في أن يخبر صديقه بذلك ، فقال التاجر : إذن أنت طباخ الإمبراطور ، فضحك الإمبراطور قائلًا : أنا أطهو في مطبخ القصر ، وبينما كان الإمبراطور جالسًا ذات مرة في قاعة الحكم وسط كبار رجال الدولة ؛ دخل عليه الحاجب قائلًا بصوت منخفض : يا سيدي ؛ هناك من يسأل عن طاهي الإمبراطور .
انتبه الإمبراطور إلى الأمر قائلًا : لابد وأنه صديقي التاجر ، حيث أنه كان قد نبّه عن سرعة إخباره إذا سأل أحد عن طاهي الإمبراطور ، فنهض سريعًا وأمر رجاله أن ينتظروه ، ثم ارتدى ملابس الطهاة واستقبل صديقه وقضى معه وقتًا ممتعًا وأكلا وشربا معًا ، حتى ودّعه الإمبراطور من الباب الخلفي حينما أراد أن ينصرف ، ثم عاد الإمبراطور إلى رجال الدولة ، وبينما كانوا هم في حالة استياء ؛ ظهرت ابتسامة عريضة على ثغر الإمبراطور .
القصة من أدب الأطفال العربي للكاتب : محمد عاشور هاشم .