قصة الملكة التي أرادت الكيد لضرتها
يُحكى في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، أن أحد الملوك عاش قديماً مع زوجته الملكة فترة طويلة ولم تنجب الملكة ولياً للعهد كما تمنى الملك وانتظر .
فقرر الملك أخيرا وبعد سنوات طويلة أن يتزوج عليها بأميرة شابة طامعاً في أن يحظى منها بالأمير الذي طال انتظاره .فتم الزواج وعمت الأفراح المملكة باستثناء الملكة التي ملئ الغل والغيرة صدرها وخشيت أن يبقيها الملك جانبا في حالة تحققت مخاوفها .
وبعد شهور حدث ما كانت تخشاه الملكة، فقد تم الإعلان في البلاط الملكي، أن الأميرة الجديدة قد حملت بولي العهد .فعمت الأفراح مجدداً أرجاء المملكة وابتهج الجميع بهذه الأخبار وكعادة كل الزوجات غضبت الملكة الأولى وانقبض قلبها لهذا النبأ ، ومرضت مرضاً شديداً، فحضر الأطباء لرؤيتها، لكن حدث بعد ذلك أمر لم يكن في الحسبان إطلاقا .
إذ تبين أن الملكة الأولى حامل هي الأخرى للمرة الاولى بعد طول سنين !فابتهجت الملكة أخيراً وعاد الدم إلى وجهها المتيبس والروح إلى جسدها الحزين .مرت الشهور سريعاً وانجبت الملكة الصبي الموعود وبعد أيام وضعت الملكة الأولى أيضاً صبيا .!فاستبشرت خيراً في كونه سيصبح ملك البلاد .أمام هذا الموقف ،بقي الملك متحيرا ،هل سيمضي قراره في تنصيب إبن الأميرة لولاية العهد ؟أم سيغيره لمصلحة ابن الملكة زوجته الأولى ؟
لكنه بعد التشاور مع وزراءه ومستشاريه قرر تسمية ابن الأميرة على ولاية العهد كونه هو الولد البكر لذا هو أحق بالولاية من أخيه الأصغر حتى لو كان ابن الملكة الأولى في البلاد .وأمام هذا القرار، جن جنون الملكة ونفد صبرها، فقررت القيام بالدسائس الخبيثة ضد الأميرة وابنها .
وفي أحدى الليالي شاهدت الملكة إحدى المربيات الموكلات بالعناية بالطفلين وهي تضع الرضيع ابن الأميرة في مهده الكبير .ففار الدم في عروق الملكة واشتعل قلبها غلاً وحقدا ضده فقررت التصرف فوراً، إذ ذهبت واحضرت سلة وغطاء واختبأت خارج غرفة الطفل .وحالما لمحت المربية وهي تطفئ الأنوار ثم تغادر، حتى اسرعت الملكة واتجهت نحو المهد واختطفت الطفل تحت جنح الظلام، ووضعته في السلة وملئت فمه بالقطن ،حتى لا يصرخ ثم غطت السلة بالغطاء وركضت مسرعة نحو المطبخ في نهاية القصر .
لكن ما لا تعلمه الملكة، أن المربية عندما وضعت ابن الأميرة في المهد لاحظت أنه لم يتوقف عن البكاء، فذهبت بسرعة وأحضرت أخيه ابن الملكة ووضعته معه في المهد ليأنس به .وبعدما انصرفت أتت الملكة لتخطف ابنها هي وليس ابن ضرتها فلم تميزه في الظلمة وضعته في السلة .!
وكان هناك حارس ليلي يحرس الباب الخلفي لمطابخ القصر يدعى بركان، وهو يحرس ذلك الباب بالتناوب مع الحارس النهاري صفوان الذي كان أكبر عمراً من بركان .وفي تلك الليلة، كان صفوان ينتظر وصول الحارس الليلي بركان ليستلم عنه المناوبة، ولكن بركان تأخر كثيرا .وفي النهاية حضر بركان إلى الباب ،وهو يلهث وقال لصفوان : آسف جدا على تأخري يا صفوان .
لكن زوجتي تضع مولودها الأول هذه الليلة وقد احضرت لها القابلة ثم جئت هنا على وجه السرعة .
فقال صفوان : إذن اذهب وكن مع زوجتك في هذه اللحظات ،إذ ستصبح أبا بعد قليل .فقال بركان : أشكرك يا صديقي سأعود حالما استطيع ذلك .ذهب بركان وبعد ساعة ،انفتح الباب من الداخل ! وإذا بالملكة تظهر وهي تحمل السلة فدهش صفوان ووقف بوضعية الاستعداد فقالت له الملكة : يا بركان اذهب وألقِ بهذه السلة في الغابة أو في أحد الآبار لا أهتم، فقط خلصني منها وعد لتحصل على مكافئتك ،وسأنتظرك هنا .
لم تتعرف الملكة الحمقاء كذلك على صفوان خلال عتمة الليل لكونهما يرتديان نفس الزي، فأخذ صفوان منها السلة وانطلق من فوره ولم ينبهها بأنه ليس الحارس بركان، بل صمت ونفذ الأمر حتى لا يفضح تغيب بركان عن المناوبة .وصل صفوان إلى مكان ما في الغابة وأخذ يتساءل : يبدو أن للحارس بركان تعاملات خفية مع الملكة ،حتى أنها نادته باسمه ووعدته بمكافئة، ولكن لماذا ؟
تجرأ صفوان ورفع الغطاء عن السلة فبان عن وجه طفل كأنه شقة قمر، فانذهل صفوان، ثم تملكه الخوف، لقد أيقن انه تورط في مؤامرة كبيرة .ففهم أن الملكة تريد قتل هذا الغلام الذي يبدو أنه ابن ضرتها، ولي العهد !هكذا فكر صفوان، فما هو فاعل في هذا الأمر العجيب !!
بعد برهة، عاد صفوان إلى باب المطبخ فشاهد الملكة تنتظره، وما أن رأته قادما بدون السلة حتى أيقنت أنه تخلص من الطفل كما رغبت، فناولته قنينة نبيذ ملكي مكافأة له، وقالت أنه لازال هناك مكافأة أكبر فقط دع الوقت يمر ،وعادت إلى داخل القصر مسرورة .
وبعد لحظات أتى الحارس بركان وهو يزف خبر ولادة زوجته لصبي، وشاهد زجاجة النبيذ بين يدي صفوان فتعجب !فأخبره صفوان وهو شارد الذهن أنها هدية من الملكة، فأخذها بركان منه ولم يخبر صفوان الحارس بركان بما جرى هذه الليلة .بل ودعه وأراد الانصراف بسرعة فقال بركان : إلى أين ؟ ألن تشرب معي بهذه المناسبة ؟فقال الحارس صفوان : أنت تعلم أني لا أشرب هذه الأشياء، وغادر صفوان على عجل ،إذ أنه كان قد علق السلة على أحد جذوع الأشجار ،بعيدا عن الحيوانات بانتظار أن يعود ليأخذها حال وصول بركان وهذا ما فعله .فقد وجد صفوان الطفل على خير ما يرام فحمد الله تعالى وأثنى عليه ،لأنه لو كانت الملكة قد أعطت السلة لبركان فعلاً لأصبح الطفل في خبر كان، لأنه على ما يبذو أنه معتاد على تنفيذ الأوامر حرفياً وبلا تفكير .
أخذ صفوان الطفل إلى بيته وهو يفكر بحل لهذه المصيبة ويدعو الله أن تنتهي الأزمة بسلام .
أما الملكة عندما عادت للقصر ذهبت إلى غرفة طفلها فلم تجده، ثم لمحت الملك برفقة زوجته الأميرة وهي تحمل طفلها ولي العهد فركضت نحوها وصاحت بها ظناً منها أنها تحمل صغيرها هي .فلما وجدت أنه ليس ابنها صاحت صيحة عظيمة وقالت : ابني .. ابني .. يا خيبتي أين ابني !؟تعجب كل من الملك والأميرة لتصرف الملكة فقال الملك : ما الخطب وما الذي جرى ؟
لم تجب الملكة بل ركضت مسرعة نحو المطابخ فوجدت بركان وهو ساقط على الأرض يأن ويتألم . حيث أن زجاجة النبيذ التي قدمتها الملكة كانت مسمومة !!أرادت بذلك أن تقضي على كل أثر يفضح جريمتها، كان بركان يشرب الماء ليطفئ حرارة السم الذي يمزق أحشاءه ،فأمسكته الملكة وصاحت به : أين ألقيت بولدي ؟ تكلم هيا !ثم التفتت الملكة إلى الملك وقالت بانفعال ظاهر : عالجه من السم يا مولاي قبل أن يموت، فهو الوحيد الذي يعلم أين ولدنا ..!!
استدعى الملك فورا أمهر المعالجين في مجال السموم فقاموا بما أمكنهم حتى تم إنقاذه بصعوبة .ثم سألوه عن الطفل فأقسم لهم أنه لا يعلم عما يتحدثون .فأخبرته الملكة أنها أعطته سلة ليتخلص منها، لكن بركان دخل في غيبوبة فقال الأطباء أنه ربما سيمضي يومان هكذا من أثر السم قبل أن يصحو مجدداً .التفت الملك إلى الملكة وصفعها بشدة أمام الجميع فانطرحت أرضا وهي في حالة مزرية وغير واعية لما يدور حولها .كل ما كانت تفعله هو الصراخ باسم ابنها والتشنيع بنفسها قائلة : ابني … أحضروا لي ابني … أردت أن أقضي على أخيك وليس عليك يا ولدي .. صدقني .. يا إلهي .. ماذا فعلت بابني ؟ثم تدخل في نوبة نواح وصياح ،أمر الملك فورا جميع حراسه بالانطلاق في عملية بحث شاملة للغابة ومحيطها .واشترك الملك بنفسه مع حاشيته في البحث ،كان الملك يقف على صهوة حصانه ينظر إلى الأفق وقد أوشكت الشمس على البزوغ، حين أخبره الكشافة أن عملية البحث قد انتهت دون العثور على الطفل .فترقرقت الدموع في عيني الملك ونعى ولده وقال : لماذا يحدث هذا لك يا ولدي ؟ لماذا ؟وهنا اقترب منه أحد الحرس وقال : لقد سمعت يا مولاي إنك تبحث عن الأمير الصغير، فاطمأن يا سيدي إنه حي يرزق !التفت إليه الملك وقال : ومن تكون أيها الحارس ؟فقال : أدعى صفوان يامولاي، أنا الحارس النهاري لمطابخ القصر .طلب الملك رؤية ابنه فورا ،فقال صفوان سأذهب لأحضره يا مولاي ،لكن قال الملك وهل سيكون لدي صبراً حتى تأتي بهِ ،أني ذاهبا معك لأحضره وإلا كيف سأكون أبا عادلاً .وبالفعل أخذ صفوان الملك إلى بيته وسلمه ابن الملكة، وما أن رأه الملك ولده حتى ضمه إلى قلبه وشرع يقبل يديه وقدميه الصغيرتين .شرح صفوان بعد ذلك كل ما حدث للملك وأخبره أن العناية الإلهية قد تدخلت لإنقاذ ولده .فقال الملك : بل أنقذت ولداي الاثنان معاً، وفضحت تلك الخائنة، فشكراً لله وشكرا لك يا صفوان .
عاد الملك إلى قصره وطلب من المربيات أن يسمحن للملكة أن ترى ولدها المفقود للمرة الأخيرة قبل أن يزج بها بالسجن بتهم الخيانة والشروع بالقتل .
لكن عندما قدم لها الطفل لم تتأثر الملكة وأخذت تصدر أصواتاً عبارة عن مزيج من الضحك والبكاء،فقد جنت الملكة تماما ..!!
عاش الملك بعد ذلك مع الأميرة التي أصبحت الملكة الأولى ومع طفليه في سعادة وهناء،لكن عندما سيكبر الأمراء هل سيبقيان على حب ووفاق ،و يا ترى لمن سيكون الحكم بعد سجن الملكة الأولى ..