قصص اطفال

قصة الحب الكبير

خرجت الزرافة صباحًا كي تجمع فطورها من الحشائش والأعشاب ، وعند الماء وجدت صديقتها الغزالة تتحرك بصعوبة لأنها تحمل وليدها في بطنها ، ومع ذلك يبدو عليها السعادة ، فذهبت الزرافة نحوها وقالت: السلام عليكم يا صديقتي الغزالة .
– وعليكم السلام.
– أراكِ سعيدة بحملك برغم ما تعنين من التعب .
– حقًّا أنا سعيدة فلطالما تمنيت أن يرزقني الله غزالاً صغيرًا يسليني ، فقد كنت أرى صديقاتي من الغزلان يلعبن مع صغارهن وهن سعيدات ،وقد أكرمني الله ، وها أنا على وشك الولادة .
– أتمنى لك ولادة مريحة وغزالاً جميلاً.
ضحت الغزالة وقالت : أشكرك يا صديقتي الزرافة .
وبعد ايام قليلة وضعت الغزالة مولودها الصغير وكانت في منتهي السعادة والفرحة .. وجاءت الحيوانات تهنئها بمولودها الصغير وهي تشكرهم على مشاعرهم الصادقة وقالت : الحمد لله الذي رزقني هذا الغزال الجميل ، فإني أحب الصغار وأحب لعبهم ومرحهم ، فالصغار هم زهور الحياة .. ضحكت الحيوانات وسعدوا جميعًا بمشاعر الغزالة التي يملؤها الحب والعطف نحو الصغار .
ومن يومها أعطت الأم لغزالها الصغر كل الاهتمام ، وكانت تهتم بأكله وتراقبه وهو يلعب وكانت سعيدة بلعبه وقفزه ،ومرت الأيام وأخذ الصغير يكبر شيئًا فشيئًا ، ولكن نبهت عليه أمه ألا يخرج بدونها فهو ما زال صغيرًا ولا يعرف الغابة جيدًا ، وكلما تركها ومشى بمفرده عنفته ، وربما وبخته لخوفها عليه من الأذى .. وفي يوم غلب النعاس الغزالة فتسلل صغيرها بعيدًا عنها وصار يلعب لاهيًا ويمشي هنا وهناك بعيدًا عن أمه، لقد حدث ما كانت تخشاه أمه ، فقد ضل الصغير الطريق ودخل غابة الأسود ، وهو لا يعرف أن هذه الأسود المفترسة يمكن أن تأكله ، وظل يعلب هناك حتى رآه أحد الأسود …
في هذه الأثناء استيقظت الغزالة من نومها وظلت تبحث عن وليدها هنا وهناك وتسأل عن الحيوانات لكنهم لم يروه اليوم ، فأخذت الأم تتبع آثار أقدامه حتى وصلت إلى حافة غابة الأسود ، وإذا بها ترى أحد الأسود وقد أمسك بحبيبها الصغير ، لم تستطع أن تفعل شيئًا ، فقد رأت الأسود تقف متأهبة لافتراسها إن هي أقدمت على الدخول إلى غابتهم .
بكت الغزالة وصارت تتوصل إلى الأسد حتى يترك ولدها ، وكلما همت  بالجري نحو ابنها وجدت الأسود الجائعة تنتظرها ، وإذا بوليدها يلفظ أنفاسه والأسود تأكله وتفرق لحمه بينهم .
أصيبت الغزالة بصدمة شديدة وظلت تبكي بشدة كلما استرجعت منظر وليدها وهو يموت وهي لا تستطيع أن تفعل شيئًا .
قالت لها صديقتها الزرافة: اصبري يا صديقتي فماذا بأيدينا أن نفعل ؟
– كان يجب أن أذهب وأخلصه من فم الأسد.
– كان الأسود سيأكلونك أنت أيضًا.
– لا يهم، فذلك خير لي من الحياة الآن. وأضافت وصوتها يتقطع من البكاء : لا قيمة لحياتي بعد أن فقدت ولدي ، وما أصعب الحياة بعدك يا فلذة كبدي وثمرة فؤادي .
– لا تقولي هذا واصبري وسوف يعوضك الله خيرًا .
– الحمد لله، ولكني قررت أمرًا .
– ماذا قررت ؟
– سوف أذهب إلى نفس الأسد حتى يأكلني فأدخل إلى بطنه فأكون بجوار ولدي الغزل الصغير .
– أأنت مجنونة ؟
– لا يهم ، المهم أن أكون بجوار ولدي ، وانخرطت الغزالة في بكاء شديد وظلت تردد : ولدي ولدي ما أشد خزني عليك ، كنت نور حياتي وصارت حياتي مظلمة بعدك .
أدرك جيران الغزالة أنها يمكن أن تهلك نفسها فاتفقوا أن يقوموا بحراستها حتى يمنعوها من الذهاب إلى غابة الأسود ، فكانوا يتبادلون الحراسة عليها ويمنعونها كلما حاولت الاقتراب من غابة الأسود ، وذات يوم استيقظت الغزالة قبل الجميع مبكرًا وقررت أن تذهب إلى غابة الأسود قبل أن يشعر بها الجيران … وفعلاً لم يرها أحد وانطلقت في طريقها إلى غابة الأسود وهي تردد : سوف ألقاك يا صغيري حتى يختلط لحمي لحمك فأكون قريبة منك حتى ونحن أموات .
وفي طريقها وجدت غزالاً صغيرًا يسير في اتجاه اغابة الأسود فسألته : أين تذهب ؟
إني ذاهب إلى هؤلاء الأسود .
لماذا ؟
حتى يأكلوني فقد أكلوا أمي بالأمس وأريد أن يأكلوني أنا أيضًا كي أكون معها في بطونهم ، فلا قيمة لحياتي بعدها .
لا تذهب يا ولدي .
لا ، أرجوك اتركيني فإني لا أعرف كيف أعيش .
تعيش معي أنا ، أنا مكان أمك ، أنا مثل أمك تمامًا ، ثم احتضنته وعادت به إلى بيتها وهي تضمه إلى صدرها بحب وحنان كالأم التي عاد لها ولدا بعد الغياب .
افتقدت الحيوانات الغزالة وصاروا يبحثون عنها وهم يخشون أن تكون قد ذهبت إلى غابة الأسود ، وإذا بهم يرونها تعود حاملة الغزال الصغير اليتيم ، وهي تضمه والفرح ظاهر على وجهها والدموع تنساب من عينيها ، وهنا فهم الجميع ما حدث ، وبمرور الأيام عادت الفرحة إلى الغزالة وصارت تمرح وهي تجري وتعلب مع غيرها الجديد ، والحيوانات تنظر إليها فرحة بذهاب الحزن عن جارتهم الغزالة .
 
المؤلف: عبد الله محمد عبد المعطي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button