قصة الأخ الطماع
ياما كان في قديم الزمان يحكى أنه في إحدى المدن ،كان هناك أخوان يعيشان معاً ،لكن أبواب الرزق سدت في وجهيهما ،فقررا السفر إلى مدينة أخرى لكسب لقمة العيش.
حمل كل واحد منهما زاده ورحلا وفي الطريق قال الأخ الأكبر للأخ الأصغر : لنأكل زاد أحدنا حتى ينتهي ،ثم نأكل زاد الثاني .
فأكلا زاد الأخ الأكبر أولاً وعندما انتهى زاد الأخ الأكبر وماؤه وهما يسيران ،شعر الأخ الأكبر بالعطش ،فطلب من أخيه الأصغر أن يعطيه قليلاً من الماء ،لكنه قال : ما معي يكفيني وحدي فقط وترك أخاه الأكبر وانصرف وحده.سار الأخ الأكبر وحده أيضاً ،وهو يعاني الجوع والعطش الشديدين ،فضعفت قواه ،فذهب إلى حفرة وأضطجع ليستريح فيها .
مرّ في هذه الأثناء جنيّان وجلسا يستريحان قرب الحفرة ،كان الجني الأول يدعى فرحان والجني الثاني يدعى مسرور .قال الجني فرحان : كيف تقضي وقت فراغك يا صديقي ؟
أجاب الجني مسرور : في مكان كذا ،توجد خزائن كثيرة أذهب إليها إذا ضجرت ومللت ،عندما أنظر إليها وتنشرح نفسي وأسر جدا لجمالها .ثم سأل مسرور الجني فرحان وقال له : وأنت كيف تقضي وقت فراغك؟
أجاب الجني فرحان : أما أنا فإذا ضجرت أدخل في رأس أي فتاة جميلة فتصبح مجنونة .
سأل الجني مسرور : وما علاجها بعد أن تجن ؟
أجاب فرحان : يرش على وجهها دم بقرة صفراء ،فتصبح عاقلة من جديد .
كان الشاب يسمع حديثيهما وهما لا يريانه وبعد أن استراح الجنيان ،انصرفا ،فخرج الأخ الأكبر من الحفرة ،فأبصر قافلة متجهة إلى إحدى المدن ،فأشار إليها بيده ورآه بعض رجالها ،فحملوه معهم وأكمل طريقه معهم .
ولما دخل المدينة ،وجد الناس في حالة هرج ومرج فسألهم : ما بكم أيها القوم ؟
فقالوا له : أنت غريب ولا تعرف شيئاً عن هذه المدينة ،إن بنت السلطان مجنونة ،ولا يستطيع أحد أن يشفيها .
تذكر الشاب حوار الجنيان مسرور وفرحان و ذهب الشاب إلى السلطان وقال له : أنا أستطيع أن أشفي ابنتك أيها السلطان .
فقال السلطان : إنها محبوسة في غرفة منذ زمن والكل يخاف الدخول عليها لشدة صراخها وهلعها ،إننا نعطيها طعاماً وشراباً من الشباك.قال الأخ الأكبر : أنا لن أتراجع وستشفى ابنتك بالتأكيد .
قال له السلطان هل تعلم أنه إذا لم يفد علاجك سأقطع رأسك؟
فطلب الشاب خمسمائة دينار وأن يمهله فترة قصيرة ،فأعطاه السلطان ما طلب…
اشترى الشاب ملابس جديدة وأستأجر سكناً ،ثم سأل عن سوق الحيوانات وأخذ يفتش عن بقرة صفراء لكنه لم يجدها وكان كل يوم يذهب إلى سوق الحيوانات من الصباح إلى المساء ثم يرجع إلى بيته مرهقاً حزيناً إلى أن جاء يوم وبينما هو يبحث في السوق ،أبصر فلاحاً يجر بقرة صفراء ليبيعها ،فركض نحوه بسرعة واشتراها منه وذبحها ووضع دمها في إناء .
ثم ذهب إلى قصر السلطان ،وطلب من الخدم أن يفتحوا باب غرفة بنت السلطان ،ففتحوها له وهربوا بعيداً خوفا منها .
اقترب الشاب من بنت السلطان ورش على وجهها دم البقرة ،فسقطت مغشيّاً عليها وبعد أن أفاقت من غيبوبتها أخذت تبكي ،فأسكتتها الخادمات وقاموا على خدمتها حيث كانت في حالة يرثى لها ،ثم سألت عن والدها السلطان وذهبت إليه وقبّلت يده ،ففرح السلطان فرحاً لا يوصف .
شكر السلطان الشاب وقال له : لقد شفيت ابنتي ،وقال له هل تقبل الزواج بها فأنا لن أجد صهرا أفضل منك يا بني .
فرح الشاب وتزوج بنت السلطان ثم أخذ عدداً من الجمال وذهب إلى مكان الخزائن التي سمع عنها من الجني ،ونقل كل ما فيها من ذهب ومجوهرات .
مرت الأيام ،والشاب سعيد مع زوجته ،وقد أصبح غنياً جداً.
وفي يوم من الأيام ،أراد السلطان أن يخرج في مهمة ،فأوكل إليه حكم السلطنة نيابة عنه ،وبينما كان الشاب يجلس في مجلس السلطان والناس يدخلون عليه ،رأى بينهم أخاه الصغير يرتدي ثياباً عتيقة ممزقة ،فعرفه وطلب من الحراس أن يأخذوه إلى الحمام ويلبسوه ملابس جديدة.
وبعد أن انتهوا من ذلك ،أتوا إلى مجلس السلطان ،فعرفه أخوه الصغير وراح يبكي وقال له : بعد أن فارقتك تغيّرت حالي و أصابني فقر شديد ،ورحت أستجدي الناس من مدينة إلى أخرى حتى وصلت هذه المدينة ،فوجدتك سلطانها وقد حسبتك ميتاً ،فكيف أصبحت إلى هذا الحال.!؟
حكى الأخ الأكبر لأخيه الصغير ما حدث له وقال : عندي من الأموال خزائن ابقى معي وشاركني حكم هذه المدينة .
فقال الأخ الصغير : أنت وصلت إلى هذه الحال حين نمت في الحفرة بالصدفة ،وأنا أعرف الحفرة جيداً سأذهب إلى هناك وأكون أحسن منك عندما أعلم كل أسرار الجنيان ولا أريد منّتك…
حاول الأخ الأكبر منع أخيه الصغير من الذهاب وقال له أن الصدفة وحدها من جعلته يستمع لهما ،لكن الأخ الصغير لم يقتنع بكلام أخيه والطمع جعله يصرّ على الذهاب إلى تلك الحفرة ،وعندما وصل وجلس فيها ،جاء الجنيان وقال الجني فرحان : كيف تقضي وقت فراغك هذه الأيام يا صديقي؟
فأجاب الجني مسرور : لم يعد لي شيء أتسلى به فقد اختفت الخزائن…
فتنهد فرحان وقال : أنا أيضاً عُرف سري…
فقال مسرور : ربما يكون ابن آدم قد اطّلع على أسرارنا ؟
وهنا تحرك الأخ الصغير قليلا فأحسّ الجنيان بأن في الحفرة شيئاً ،فنظرا فيها ووجدا الأخ الصغير ،وقالا له إذا أنت من كان يسترق السمع علينا ،فانقضا عليه وقتلاه …وعندما لحق به أخاه الأكبر وجده ميتا فبكى على الحال التي وصل لها أخيه جراء طمعه .