قصة الزوجة اللئيمة والزوج الفقير
كان يا ما كان في قديم الزمان ،كان هناك شابا يدعى حسان يواصل حياته داخل أحد الأحياء الشعبية ببلدة “بيتروجراد” ،حيث كان يرافقه في هذا الحي مجموعة من زملائه الفقراء ،كان حسان يسعى إلى أي عمل يستطيع من خلاله الحصول على القليل من المال ،حيث كان يعمل كناسخ لوحات كما كان يكتب أرقام المنازل وأي لافتات تقوم بتوضيح معالم الطريق.
كان بإمكان حسان أن يربح الكثير من الأموال من خلال اجتهاده حيث أنه صاحب موهبة كبيرة ،ولكن لسوء حظه أنه كان يمرض كثيرًا ،فكانت حياته مليئة بالفقر والبؤس ولم يتمكن من تغييرها إلى الأفضل ،وما زاد الأمر سوءًا في حياته هو إعالته لتلك الزوجة كثيرة التذمر والشكوى والتي تُدعى ماريا ،حيث تزوج منها وهي لا تمتلك أي مواهب تمكنها من إعانته في المعيشة.
كانت ماريا لا تعرف المعنى الحقيقي لرفيقة الحياة ،حيث أنها كانت لا تقوم بعمل أي شيء سوى إعدادها لوجبة الغداء ،وفي بعض الأحيان كانت تغلي الماء من أجل إعداد الشاي ،لم يساعد ذلك الزوج البائس الذي لم يتمكن من ربح المزيد من الأموال نتيجة لتردي حالته الصحية.
بدت ماريا زوجة متسلطة تكيل لزوجها اللوم والسباب يوميًا بصرخاتها العالية ،بدلًا من أن تشفق على حالته وهو الزوج البائس فنان اللوحات ،وقامت بمطالبته بإلحاح أن يحصل على المزيد من المال ،وذلك لأنها ترغب في الذهاب إلى السينما وتناول الأطعمة بمختلف أنواعها ،فحاول أن يربح أكثر من أجلها غير أن الحياة لم تهبه أكثر مما يربح.
استمرت الزوجة في نعت زوجها بأسوأ الصفات ،وكانت حالته الصحية المتدنية هي التي جعلته يقع فريسة لتسلطها ،وفي الحقيقة كانت تلك الزوجة هي رفيقته منذ ثمانية عشر عامًا ،حيث كانت تحدث بينهما بعض المشاحنات غير أنها لم تصل إلى حد وجود فضائح كبيرة ،ولم يحدث أن حاول أحدهما قتل الآخر ،وذلك لأن الزوجة كانت على دراية بأن زوجها يهتم بها ،وكذلك فإنها لا تعرف أحدًا يمكنه الاعتناء بها إذا رحل زوجها أو طلقها .
كانت الزوجة تعلم أيضًا أن زوجها سيظل عبدًا أمينًا يقوم بخدمتها ،فهي تستطيع إجباره على العمل لأجلها على مدار اليوم ،لقد وُلدت تلك الزوجة قبل الثورة بزمن بعيد وكأنها مدركة واجباتها الزوجية ،فهي تعيش بلا أعباء ،حيث الزوج المطحون في العمل ،أما هي فكانت تقضي حياتها ما بين تناول البرتقال (وهي الفاكهة الأغلى في روسيا) والذهاب إلى المسرح.
وذات يوم حدث ما هو غير متوقع حيث مرض الزوج حسان ،وقد ضعف جسده بشدة قبل أن يقع فريسة للمرض حيث قد تخطى مرضه مرحلة القدرة على الحركة إلى إصابة نفسه بالعلة حتى بلغ مرحلة الاشتياق إلى حياة أخرى بعد الموت ،وكان يشاهد القصور والقوارب والزهور في أحلامه ،وغير ذلك من الصور الجميلة .
تغيرت حياة حسان حيث أصبح أكثر هدوءًا يستنكر الضوضاء والصخب القادم من الجيران حيث رغب في أن يعم الجميع حالة الهدوء ،ثم ظهرت على وجهه فجأة علامات قرب الرحيل ،حيث بدأ في رفض مختلف الأطعمة لدرجة رفضه أن يأكل السمك على الرغم من أنها وجبته المفضلة ،وهاهو أصبح طريح الفراش ،ويمضي يومي الثلاثاء والأربعاء وزوجته بجواره والتي سرعان ما باغتته بسؤال غريب : آه.. قل لي لماذا ترقد؟! من المحتمل أنك تتعمد التمارض ولا تريد أن تعمل وتربح.
واستمرت الزوجة هكذا في لومها لزوجها الذي لاذ بالصمت وهو يفكر في نفسه قائلًا : دعها تثرثر كما تشاء ،فكل ثرثرتها عندي سواء ،فإنني أشعر قرب أجلي ، وكان يعاني من ارتفاع درجة الحرارة طوال النهار ،حيث رقد ضعيفًا مثل طفل مسكين ،كما كان يعاني من عذاب الألم على فراشه ليلًا ،وقد كان المحيطون به تراودهم الأفكار السيئة.
كان يقول حسان لمن حوله : أشتاق إلى جولة في أحضان الطبيعة قبل أن أموت ،وخاصةً أنني لم أشاهد شيئًا جميلًا طوال حياتي ،وظل هكذا متخيلًا أنه سيموت خلال يومين ،ثم اقتربت الزوجة من فراشه وهي تتسآل بصوت ماكر : آه .. هل ستموت؟!
فأجابها :نعم .. عذرًا سأموت ،وسأنجو من سجنك وسأغير لك مسار حياتك .
قالت الزوجة : حسنًا ؛سنرى فإنني لا أستطيع أن أصدق كلامك أيها اللئيم ،وسيأتي الطبيب ليفحصك أيها الأحمق ،وسوف نعلم إذا كنت تحتضر أم تدّعي المرض ،وحتى تأتي هذه اللحظة فأنت لا تزال تحت قبضتي ،فمن الأفضل ألا تحلم بذلك ،وبالفعل استدعت طبيبًا من مشفى قريب ،وبعد فحصه قال للزوجة : إنه مريض تيفويد أو التهاب الرئتين وستنهار حالته هنا وقد يموت في الحال.
اقتربت الزوجة من زوجها بعد رحيل الطبيب ثم قالت : هل ستموت حقًا ،لن أتركك تموت ،فإنك ترقد مفكرًا أن ما تريده سيتحقق أيها اللئيم ،صدقني لن أتركك تموت.
فقال الزوج : لقد أعطاني الطبيب تصريحًا بالموت ولن تتمكنين من تأخيره ،وهيا اتركيني وشأني . ردّت الزوجة : لا أعترف بكلام الطب وأهله ،ولن أدعك تموت ،لقد قررت الموت أيها الغني اللئيم ،ومن أين لك المال كي تموت وأنت لا تمتلك تكاليف الجنازة ،إنها تتكلف كثيرًا ،أليس كذلك؟
سمعت الجارة الطيبة ونيسة حديث الزوجة لزوجها وهي في ذهابها لزيارته ،فقالت : أنا سأعدّك بعد وفاتك يا حسان ،فلا تقلق إنه عمل خير أرجو عليه الثواب من الله .
فقالت الزوجة : حسنًا ،وماذا عن التابوت والعربة التي ستنقل الميت وأجر الدفن ،لن أدعك تموت ،فلتعمل وتربح المال ولتمت بعد ذلك ولو مرتين.
قال الزوج : كيف هذا ؟ يا له من كلام عجيب!
فقالت الزوجة : هكذا قلت لك لن أدعك تموت ،اعمل أولًا وادخر لي المال خلال شهرين ثم اذهب إلى الموت كما ترغب.
فقال الزوج : ومن سيعطيني المال ؟
قالت الزوجة : خذ ممن تريد ،هذا لا يعنيني ،رقد الزوج يصارع الموت ولكنه قرر الخروج في المساء ،فقابل في طريقه موظف البلدية عبد الكريم.
تحدث عبد الكريم قائلًا : حمدًا لله على السلامة يا حسان.
فقال حسان : تصور يا عبد الكريم أن زوجتي لا تتركني أموت و تطلب مني الربح لمدة شهرين ، ومن أين سأجلب المال ؟
فقال عبد الكريم : يمكنني أن أعطيك فقط عشرين فلسًا ،شكر حسان الرجل بعد أن رفض أخذ الأموال ثم مضى في طريقه ،وجلس ليستريح على صخرة وهو يفكر في أمر النقود.
كان يتأمل حسان حالته الصحية وضعفه فتنهد وهو جالس يقول : يمكنني خلع قبعتي لعل الرحماء يعطونني بعض المال ،وقد حصل على القليل من المال بعد مرور بعض الوقت ،ثم عاد إلى منزله منهكًا فرقد على الفور وهو يقبض على الأموال قائلًا لزوجته : لا تلمسيها ،إنها مازالت عملات قليلة.
وكرر ما فعله في اليوم الثاني والثالث وأصبح متسولًا حتى تعافى تمامًا ،وأصبح وجهه بلا مرض أو ألم فامتنع الناس عن منحه النقود ،مما جعله يمتنع عن التسول ،ثم عاد إلى حرفته من جديد ،وهكذا لم تسمح له زوجته بالموت ،فقال الطبيب مبتسمًا وهو يروي تلك القصة : وهذا هو ما فعلته الزوجة بزوجها الذي حار الطب في تفسير حالته ،والتفسير المحتمل هو أنه استعاد صحته بعد خروجه من البيت وحدث ما لم يتوقعه.
استطرد الطبيب قائلًا : لقد تمكن حسان من استرداد عافيته بعد تحسن حالته النفسية ،أما الزوجة الطماعة الجشعة هي التي كان لها الفضل الأكبر في الإبقاء على حياة زوجها ،وهو أمر نادر الحدوث وفي الغالب يحدث العكس ،حيث يتسبب الطمع في فقدان الإنسان كل ممتلكاته.