قصص اطفال

قصة الصحابي جُليبيب

يروى في قديم الزمان في عهد الصحابة الكرام أنه كان هناك خادم للنبي صلى الله عليه وسلم يدعى جُليبيب ،رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،كان لا يعرفه الكثير من أهل زمنه ،ومن كان يعرفه منهم ،لا يعرف أكثر من أنه جُليبيب ،ذلك الرجل الدميم الخِلقة ،الضعيف الحال ،الذي ليس له ذكر عريض ،ولا طويل على ألسن الناس ،بل هو يكاد يكون منسياً مجهولاً عندهم.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له جُليبيب في وجهه دمامة وكان فقيرا ويكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم .
جُليبيب رضي الله عنه صحابي جليل من الأنصار ،وكان جُليبيب مثله مثل بعض الصحابة غير منسوب ،ولكن ذكره الجوزي في ” صفوة الصفوة ” عن ابن سعد قال : أن جليبيبًا كان رجلاً من بني ثعلبة حليفًا في الأنصار.
وذات يوم قال له النبي : يا جُليبيب ألا تتزوج يا جُليبيب ؟فقال : يا رسول الله ومن يزوجني يا رسول الله؟!فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أزوجك يا جُليبيب .فالتفت جُليبيب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،وقال : إذاً تجدُني كاسداً يا رسول الله.فقال النبي صلى الله عليه وسلم : غير أنك عند الله لست بكاسد ،ثم لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يتحين الفرص حتى يزوج جُليبيا رضي الله عنه.ويقال أنه في ذات يوم من الأيام كان هناك رجلٌ من الأنصار كان قد توفي زوج ابنته ،جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ليتزوجها صلى الله عليه وسلم.فقال له النبي : نعم أزوجها ولكن لا أتزوجها أنا!فرد عليه الأب : ستزوجها لمن يا رسول الله !فقال صلى الله عليه وسلم : أزوجها جُليبيبا.فقال ذلك الرجل : تزوجها لجُليبيب ،يا رسول الله انتظر حتى أتشاور مع أمها !!
فانطلق الرجل إلى امرأته ،وهو لا يدري كيف يفاتحها بالخبر ،ولا كيف يكون وقعه عليها ،ومن ثم ردها عليه ،لكنه معتقد لِما كان يعلم من طبعها وفكرها أن هذا الخبر لا يرضيها ،إن لم يغضبها ،فجاءها وذكر لها ما عنده من خبر ،وأخبرها بنفس الطريقة التي تلقّاه بها ،فقال لها : إن رسول الله يخطب ابنتك…فذكرت الله وقالت : نعم ،نعم ،قرة عينٍ لي ولك ،يا له من عظيم شرف.فقال زوجها : إنه لا يريدها لنفسه.فقالت : فلمن يريدها إذن ؟قال : لجُليبيب .فصاحت المرأة : جُليبيب ،جُليبيب ! وقالت : ماذا تقول يا رجل؟ أما وجد رسول الله إلا جليبيباً ؟ أستغفر الله العظيم ،لقد منعناها فلاناً وفلاناً ممن تعرف ،ثم نأتي في آخر الأمر لنزوج ابنتنا من جُليبيب…
كانت الفتاة في سترها تسمع تحاور والديها ،فخرجت عليهما ابنتهما من خدرها .وقالت : أتريدان أن تردّا على رسول الله أمره؟!ثم أكملت قولها : إن كان قد رضيه لكم رسول الله فأنكحوه ،والخيرة فيما اختاره الله ورسوله.
فرد والدها : سأخبر النبي بموافقتك .
ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله شئنك بها ،فدعى النبي صلى الله عليه وسلم جُليبيبا ثم زوجه إياها .
ورفع النبي صلى الله عليه وسلم كفيه الشريفتين وقال : اللهم صب عليهما الخير صباً ولا تجعل عيشهما كداً كداً …
ثم لم يمضي على زواجهما أيام حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة من غزواته ،فخرج معه جُليبيب فلما انتهى القتال اجتمع الناس و أخذوا يتفقدون بعضهم بعضاً فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : هل تفقدون من أحد قالوا : نعم يا رسول الله نفقد فلان وفلان كل واحد منهم .إنما فقد تاجر من التاجر أو فقد ابن عمه أو أخاه.
فقال صلى الله عليه وسلم : نعم و من تفقدون قالوا : هؤلاء الذين فقدناهم يا رسول الله ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ولكنني أفقد جُليبيبا ،فقوموا نلتمس خبره !
ثم قاموا وبحثوا عنه في ساحة القتال وطلبوه مع القتلى ثم مشوا فوجدوه في مكان قريب إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم غلبته الجراح فمات.
فوقف النبي صلى الله عليه وسلم على جسده المقطع ثم قال : قتلتهم ثم قتلوك أنت مني وأنا منك ،أنت مني وأنا منك ،ثم تربع النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بجانب جسد جُليبيب ثم رفع الرأس ووضعه على ساعديه ،وأمرهم أن يحفروا له قبراً …
قال أنس : فمكثنا والله نحفر القبر و جُليبيب ماله فراش غير ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضعه في قبره …قال أنس : فعدنا إلى المدينة وما كادت تنتهي زوجته من عدتها حتى تسابق إليها الرجال يخطبونها ..
وبذلك طويت صفحة صحابي عاش مغموراً ،ومات مشهوراً ،قد ظفر في مماته أي ظفر ، بشهادة الله ،وبكرامة رسول الله ،أشرف خلق الله ،الذي حمله ،وسار به ،وقبره وهو عليه الصلاة والسلام يقول : ” اللهم ارضَ عنه ،فإنني راضٍ عنه”…
أيُّ شرفٍ هذا للصحابي جُليبيب أناله إياه الرسول الحبيبُ.فإن كان جليبيب دميم الخلق ،فإنه لم يكن ذميم الخلق ،وهذا وحده ما قام به عند رسول الله، ومنحه حبه وقربه ،الذي كان في الدنيا ،وسوف يكون له بإذن الله في الآخرة ،مصداقاً للحديث الشريف : “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button