قصة الفتى درواس مع الخليفة هشام بن عبد الملك
في قديم الزمان وفي أحد الأيام في عهد خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان ،الخليفة الأموي و في بداية القرن الثاني الهجري وبالتحديد في ساحة قصر الخلافة بمدينة دمشق ،كان يقف هناك فتى لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره يسمي درواس بن حبيب .كان يحيط به جمع من قومه وهم الذين جاءوا به لأنه الوحيد فيهم الذي حصل على قدر من العلم وأصبح قادراً على التعبير عن إحتياجات أهله ومعاناتهم .برغم من أنهم حاولوا أن يرتدوا أفضل ما لديهم من الثياب الجميلة والنظيفة وهم يستعودن للقاء الخليفة ،ومع ذلك فقد ظهر فقرهم الشديد على مظهرهم .
لم يكن قوم درواس بمفردهم في ساحة قصر الخليفة ،حيث تجمعت العديد من الوفود من أهل البادية بهدف طلب العون والمساعدة من الخليفة ،وذلك بعد أن إنقطع المطر عنهم ثلاثة أعوام متتالية ،فجفت أراضيهم وحقولهم وماتت أغنامهم وأبقارهم ونفذت جميع أموالهم ومدخراتهم ولم يعد بإمكانهم الكسب وتوفير إحتياجاتهم من الطعام والماء ولذلك اضطروا إلى الذهاب لطلب مساعدة الخليفة في دمشق .
سمع الخليفة هشام بن عبد الملك بأمر هذه الوفود التي جاءت تستنجد به ،فسمح لرؤساء القبائل بلقائه ،فدخلوا وكان فيهم درواس بن حبيب ،فقدمه قومه على الرغم من صغر سنه ،ولكنه كان أفصحهم لساناً وأقدرهم علة .فعرض مطالبهم واحتياجاتهم وعندما وقفوا أمام الخليفة كانوا صامتين لا يعلمون من أين يبدئون ،نظر الجميع إلى وجوههم وهيئتهم ونظر لهم الخليفة أيضا حتى وقع نظره على درواس بن حبيب ،فاستنكر واستغرب كيف يسمح حاجبه بدخول الصبيان إلى هذا المجلس المهم .
فأدرك درواس بن حبيب أنه هو المقصود فتقدم واستأذن بالحديث فأذن له الخليفة ،فأخبره درواس أن مقام الخليفة لا يتأثر بدخوله عليه بينما كان ذلك عظيماً له ولقومه الذين قدموه للقاء الخليفة ،ثم أضاف درواس وهو يشير لقومه :إن هؤلاء القوم قد اجتمعوا من أجل أمر وإن لم يتحدثوا به فسوف يظل في طي الكتمان ولن يعلم به الخليفة .
أعجب الخليفة بكلام درواس وأذن له أن يتحدث باسمهم ،فبدأ درواس يروي حاجة قومه قائلاً : لقد أصابتنا ثلاث سنين ،سنة أذت الشحم وسنة أكلت اللحم وسنة نقت العظم ،وفي أيديكم أموال وفيرة وكثيرة .
إن كانت هذه الأمور لله فوزعوها على عباده المستحقين ،فإن كانت لهم فلماذا يحبسونها عنهم ،وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين وأعلم يا خليفة المؤمنين أن الوالي من الرعية كالروح من الجسد ،لا حياة للجسد إلا بها .
فقال الخليفة : لم يترك الغلام في واحدة من الثلاثة عذراً ،وأمر هشام بن عبد الملك أن يتم توزيع ألف درهم في أهل كل بادية وأمر لدرواس بمكافأة كبيرة على فصاحته وجرأته في الكلام والتعبير.
فقال له درواس : رد مكافأتي يا أمير المؤمنين إلى عطية أهل باديتي فإنني أكره أن يعجز ما أمر به المؤمنين عن كفايتهم .
فسأله الخليفة : هل لك حاجة تريديها لنفسك يا درواس ؟فأجاب : ليس لي حاجة غير حاجة عامة المسلمين .