قصة القرود والماء
بعد موسم مطر غزير ، امتلأت أرجاء الغابة بالنباتات والأشجار المختلفة ، وكان أكثر الأشجار عددًا وثمراً هي أشجار الموز ، كما تناثرت كميات الماء هنا وهناك في أرض الغابة ، فقام الأسد سعدون – ملك الغابة – بجولة يتفقد فيها أحوال رعيته ، مهنئًا الحيوانات بموسم المطر الغزير … ولما أتى إلى حي القرود قال : أين القرد فهيم زعيم القرود ؟
القرد فهيم:ها أنا ذا يا ملك الغابة .
الأسد:أظن أن كميات الموز الموجودة بالأشجار تكفي حاجة القرود وتزيد .
القرد فهيم:نعم والحمدلله ، ولكن ما زالت هناك مشكلة تمس كل حيوانات الغابة .
الأسد:كل الحيوانات ! ما هي ؟
القرد فهيم:الماء – يا ملك الغابة – مبعثر هنا وهناك ، ولا تستطيع الحيوانات أن تستفيد منه ، ثم ما يلبث أن يجف وتبتلعه الأرض دون أن نستفيد منه .
الأسد:صدقت يا فهيم ، وبعد جفاف الماء لا تجد بعض الحيوانات ما تشربه ؟ فما الحل في رأيك ؟
قال القرد فهيم : الحل أن نقوم بعمل مجار يسير فيها الماء ليجتمع في حفر كبيرة ، ونجعل لهذه الحفر درج تقف عليه الحيوانات فتستطيع أن تصل إلى الماء بسهولة ، كما فعلت الحيوانات في الغابة المجاورة لنا .
قال الأسد سعدون : إذن فلنفعل مثلهم ، ولكن لا يوجد عند حيوانات غابتنا الخبرة الكافية لعمل هذه المجاري والحفر.
القرد فهيم:إذن فلنستفد بخبرة جيراننا ، وبعد إذنك يا ملك الغابة سوف أذهب غدًا لمقابلة القرد مهران زعيم جيراننا القرود .
ذهب القرد فهيم على رأس وفد إلى الغابة المجاورة لإنجاز المهمة، وعندما وصل حياهم وقال : السلام عليكم يا قرد مهران ، أنا جارك القرد فهيم .
القرد مهران:وعليكم السلام ، مرحبًا بك يا فيهم أنت ومن معك .
فهيم:نريد أن نستعين بخبرتكم لحل مشكلة المياه بغابتنا .
مهران:خيرًا ، ولكن القرود عندنا مشغولون بجمع طعامهم ، فللأسف لم تثمر أشجار غابتنا كميات كافية من الموز هذا العام .
فهيم:إذن عندنا حل لمشكلتكم .
مهران:كيف ؟
فهيم:نعطيكم الموز في مقابل الإستفادة بخبرتكم .
مهران:اتفقنا .
وبعد الإتفاق إنتقلت القرود الخبيرة إلى غابة الأسد سعدون ، وبدؤوا مراحل العمل لتجميع الماء كي تشرب منه حيوانات الغابة ، وبدأت مشكلة العطش تقل بعض الشيء ، وبدأت الحيوانات تشعر ببعض الطمأنينة ، وكاد الإتفاق ينتهي بحب وسلام ، ويفوز الطرفان بالماء والموز ، لكن كعادة الحياة كان هناك من يعترض على ما يحدث ، فلقد تقابل الذئب شيبون مع الثعلب خلدون فقال له : لقد صارت غابتنا مرتعًا للغرباء .
خلدون:من تقصد ؟
شيبون:القرود الخبيرة يسيرون في الغابة كأنهم أصحابها ، يأخذون ما يشاءون من الطعام ، ويحظون بتقدير كل الحيوانات حتى الأسد سعدون يستقبلهم في أي وقت بينما لا نستطيع نحن ذلك .
خلدون:كل هذا لأنهم يعملون في تجميع الماء ؟
شيبون:حقًّا إن حيوانات غابتنا حمقى ،يجب أن يكون لنا موقف من هؤلاء الدخلاء .بجب أن نذهب إلى الأسد لنعبر له عن غضبنا من ضياع ثروة الغابة لهؤلاء الدخلاء .
وبينما يسيران في طريقهما إلى الأسد وقد بدا عليهما الغضب ، قابلهما الحمار الوحشي ، فقال له الذئب : هيا إنضم إلينا أيها الحمار .
الحمار:لماذا؟ إلى أين تذهبان؟ وما هذا الغضب البادي في وجهيكما ؟
شيبون:ألم تر الهجمة التي حدثت على غابتنا ؟
الحمار:الهجمة ، أي هجمة ؟
شيبون:هؤلاء القرود الخبيرة يستولون على خيرات الغابة .
الحمار:ألا ما أشد حماقتكما ! إن هؤلاء القرود لم يأتوا إلى الغابة إلا بطلب منا ، وقد جاءوا ليحلوا أكبر مشاكلنا ، وهم يؤدون واجبهم بكل جدية ، لقد كادت الحيوانات تهلك من العطش في الأعوام السابقة .
شيبون:ولكنهم يأخذون كميات كبيرة من موز غابتنا .
الحمار:إن الموز في الغابة يزيد بكثير عن حاجتنا ، لو تركناه لوقع على الأرض وتعفن وأفسد بيئة الغابة .
توقف الحمار الوحشي عن الكلام ونظر إلى الذئب والثعلب بحسرة وقال : لقد أخذ القرود ما لا نحتاج ويساعدوننا في توفير أعز ما تحتاج ، إن واجبنا أن نشكرهم لا أن نطردهم .
شيبون وخلدون:أنت حمار لا تفهم شيئًا ، وتركوه وانصرفوا ليحثوا باقي الحيوانات ، وإستطاع الذئب شيبون والثعلب خلدون أن يقنعوا بعض الحيوانات برأيهم الفاسد ، وبدأ بعضهم يهاجم القرود الخبيرة ، ولذلك قررت القرود الخبيرة الرحيل عن الغابة خوفا على حياتهم من حماقة المعتدين .
وهكذا لم يكتمل تجميع المياه ، وبدأ العطش يظهر من جديد ويزداد في الغابة ، سقط الموز على الأرض وتغيرت رائحته ، وبكى صغار الحيوانات ، حينئذ أدرك الجميع حجم المعروف الذي كانت تؤديه القرود الخبيرة ، ولما كبرت المشكلة ، ذهب الوفد ثانية إلى غابة القرود الخبيرة فاستقبلهم القرد خبرون قائلا : ماذا تريدون ؟
نريد مساعدتكم كي نحل ….
قاطعهم القرد خبرون : ألم نكن عندكم نساعدكم فلقينا منكم الإهانة والإيذاء ، إن الأفواه التي تعض اليد التي إمتدت إليها بالمساعدة هي أفواه تستحق أن تكتوي بنار العطش .
***
المؤلف/عبدالله محمد عبد المعطي