قصة بيت لم يذق الحزن
كان ياما كان في قديم الزمان ،كانت هناك سيدة تعيش في إحدى القرى، و لم تنجب إلا ولداً واحداً فقط ،وكانا يعيشان سعيدين في بيتهما وكانت أحوالهما على خير .كان بيت السيدة على التلة في القرية ،ولم تكن تختلط بأحد ولم تكن تزور أحد ،كانت سعيدة بوجود ابنها معها وهذا كان يكفيها .
إلا أنه في أحد الأيام مرض الفتى مرضًا شديدًا ثم مات، وكم أصاب السيدة الحزن على فقدان وحيدها الذي كان يؤنسها ويملئ الدار عليها بالفرح والسعادة، فقد أصبحت بعد موته وحيدة لا يوجد من يؤنسها في الدار إلا إنها قررت ألا تستسلم لهذه الوحدة .
خرجت في إحدى الأيام بعد موت ابنها الوحيد وقررت السيدة أن تبحث عن طريقة تعيد بها السعادة التي فقدتها بموت ابنها فذهبت إلى حكيم القرية وطلبت منه أن يدلها على طريقة أو وصفة تستطيع بها أن تعيد ابنها من الموت إلى الحياة .ولكن هيهات أن يعود الموتى فلا يملك القدرة على إعادة الموتى إلى الحياة إلا الله الخالق فليس بمقدور بشر أن يفعل ذلك.
استمع إليها الحكيم وفكر فيما طلبته السيدة وظل يفكر بعض الوقت إلى أن هداه تفكيره إلى فكرة ذكية.فقال لها طلبك هو إعادة ابنك للحياة أليس كذلك يا سيدتي .فقالت له : نعم أتمني أن تعود السعادة والفرح من جديد بوجود ابني .فطلب الحكيم من السيدة الحزينة أن تبحث له عن حبة من الخردل ولكنه اشترط عليها شرط ،مقابل عودة ابنها والسعادة لحياته، فقال لها يجب أن تأتي بتلك الحبة من الخردل من بيت لم يذق الحزن أبدًا .
استمعت السيدة الحزينة إلى ما طلبه الحكيم وخرجت من عنده وهى ممتلئة بالأمل وبدأت في البحث عن هذا البيت الذي لم يذق طعم الحزن أبدًا لتحضر منه حبة الخردل .
فصادفها بيتٌ قامت بالطرق على بابه وعندما خرجت لها سيدة الدار فسألتها هل زاركم الحزن بهذا البيت يا سيدتي ؟!
كم ظهر الألم والحزن على وجه السيدة وكم كان يقطر منه المرارة فقالت لها : إن هذا المنزل لا يوجد به إلا الحزن .
فسألتها ولما ذلك ،فأخبرتها السيدة بأن لديها أربعة أطفال تركهم لها زوجها بعد أن مات وهى لا تعمل ولا تستطيع الإنفاق عليهم فقامت ببيع بعض الحاجيات المنزلية في المنزل و الذي أوشكت على الانتهاء .حزنت السيدة لحال الأرملة وواستها وحدثت بينهما صداقة واعطتها مبلغاً صغيراً من المال وهمت بالمغادرة إلا إن الأرملة حاولت استبقائها فوعدتها بأن تستمر في زيارتها بين الحين والآخر .
توجهت السيدة إلى دار أخرى وعرضت سؤالها ثانية إلا إن حال هذا البيت لم يختلف كثيرًا عن حال سابقه فكان الزوج رجل مريض ولا يوجد عائل للأطفال حتى إنهم جياع لا يوجد بالدار ما يأكلوه.
وقالت لها زوجته هل تعلمين يا سيدتي أننا نمنا بلا عشاء وأصبحنا بلا إفطار .رق قلب السيدة للأطفال الجياع فقامت بالتسوق وأحضرت الأشياء وأعدوا الطعام وأطعموا الصغار وأصبحت هناك صداقة جديدة مع أهل هذه الدار أيضاً .
ثم أكملت طريقها قبل حلول الظلام ،فوجدت بيتاً أخر وطرقت بابه أيضاً ،فتح الباب طفل صغير وقال لها تفضلي يا خالة ماذا تريدين .فقالت أين والديك يا صغيري .فقال لها بحزناً شديد ،نحن يتامى الأم يا خالة وأبي ليس بالدار إنه يعمل ليل نهار لكسب قوت يومنا وأنا اعتني بإخوتي لوحدي طوال الوقت .بكت السيدة لحال اليتامى ،وقررت العودة لبيتها لشدة حزنها في هذا اليوم الحزين منذ أوله .
أعادت السيدة الكرة في اليوم التالي ولكن قابلتها نفس النتيجة إذ لم تجد داراً لم يزرها الحزن ولكن في خضم هذا البحث اختلطت السيدة بكل بيوت أهل القرية واندمجت في أحزانهم وأصبحت صديقة للجميع تزورهم وتعطف عليهم وأصبحوا يزورونها كثيراً وأصبح أطفال القرية يحبونها ويذهبون للعب أمام بيتها .
حتى مرت الأيام ونست ما كانت تبحث عنه من سعادة ،فقد وجدتها في قلوب الجيران ويبدوا أنها نسيت أمر حبة الخردل .فهمت السيدة بعد ذلك مقصد الحكيم ،فكم كان حكيم القرية رجلًا ذكيا إذ جعل السيدة تذوب في مشاكل الناس وتختلط بهم مما جعلها تخرج من حزنها وتنسى مطلبها وتستعيد حالة الرضا بقضاء الله، فلا يوجد بيت لم يذق طعم الحزن