قصة توبة في المرقص
يروي أحدهم قصته فقال : دخلت أحد مساجد مدينة حلب فوجدت شاباً يصلي فقلت ،سبحان الله إن هذا الشاب من أكثر الناس فساداً يشرب الخمر ويفعل الزنا ويأكل الربا وهو عاقّ لوالديه وقد طرداه من البيت فما الذي جاء به إلى المسجد .فاقتربتُ منه وسألته: أنت فلان؟!قال : نعم أنا هو .قلت : الحمد لله على هدايتك وقلت له أخبرني كيف هداك الله ؟قال : هدايتي كانت على يد شيخ وعظنا في مرقص ليلي .قلت متعجبا في مرقص ليلي !قال : نعم في مَرقص!قلت: كيف ذلك !فقام بقص حكايته لي وقال : كان في حارتنا مسجد صغير وفيه شيخ كبير السن يؤم الناس ،وذات يوم التَفَتَ الشيخ إلى المصلين وقال لهم: أين الناس؟! ما بال أكثر الناس وخاصة الشباب لا يقربون المسجد ولا يعرفونه !فأجابه المصلون : إنهم في المراقص والملاهي.فقال الشيخ : وما هي المراقص والملاهي!ردّ عليه أحد المصلين: المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة تصعد عليها الفتيات عاريات أو شبه عاريات يرقصنَ والناس حولهنَ ينظرون إليهن…فقال الشيخ: والذين ينظرون إليهن من المسلمين؟فقالوا: نعم .فقال: لا حول وقوة إلا بالله .ثم قال لهم هيا بنا إلى تلك المراقص ننصح هؤلاء الناس .قالوا له : يا شيخ كيف وهل أنت تعظ الناس وتنصحهم في المرقص ؟!قال : نعم أنا سأنصحهم وسأذهب إليهم .حاولوا أن يثنوه عن عزمه وأخبروه أنهم سَيُواجَهون بالسخرية والاستهزاء وسينالهم الأذى .فقال : وهل نحن خير محمد صلى الله عليه وسلم ؟! وأمسك الشيخ بيد أحد المصلين ليدله على المرقص .وعندما وصلوا إليه سألهم صاحب المرقص : ماذا تريدون ؟فقال الشيخ : نريد أن ننصح من في المرقص ،تعجب صاحب المرقص وأخذ يمعن النظر فيهم ورفض السماح لهم .فأخذوا يساومونه ليأذن لهم حتى دفعوا له مبلغاً من المال يعادل دخله اليومي.وافق صاحب المرقص ،وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي .
قال الشاب: فلما كان الغد كنت موجوداً في المرقص وبدأ الرقص والصياح … ولما انتهى أسدل الستار ثم فتح تانية .فإذا بشيخ وقور يجلس على كرسي فبدأ بالبسملة وحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ثم بدأ في وعظ الناس الذين أخذتهم الدهشة وتملكهم العجب وظنوا أن ما يرونه هو فقرة فكاهية فقط .
فلما عرفوا أنهم أمام شيخ يعظهم أخذوا يسخرون منه ويرفعون أصواتهم بالضحك والإستهزاء وهو لا يبالي بهم ،واستمر في نصحه ووعظه حتى قام أحد الحضور وأمرهم بالسكوت والإنصات حتى يسمعوا ما يقوله الشيخ.
قال: فبدأ السكون والهدوء يخيم على أنحاء المرقص حتى أصبحنا لا نسمع إلا صوت الشيخ ،فقال كلاماً ما سمعناه من قبلا .تلا علينا آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية وقصصاً لتوبة بعض الصالحين .وكان مما قاله : أيها الناس ،إنكم عشتم طويلاً وعصيتم الله كثيراً ،فأين ذهبت لذة المعصية.لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء ستسألون عنها يوم القيامة وسيأتي يوم يهلك فيه كل شيء إلا الله سبحانه وتعالى فماذا أنتم فاعلون وإلى من راحلون .أيها الناس ،هل نظرتم إلى أعمالكم ،إلى أين ستؤدي بكم إنكم لا تتحملون نار الدنيا وهي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم فكيف بنار جهنم ،بادروا بالتوبة قبل فوات الأوانثم أكمل وقال : أحبائي وإخوتي لست غاصبا لكم بل صادقا معكم يهمني أمركم أنتم أبنائي واخواني وأصدقائي لا أستطيع ان أرى السوء يقربكم ولا أحرك ساكنا .وأكمل وقال : يقول الله عز وجل في الحديث القدسي يا عبادي ،إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم.فهو سبحانه الذي يغفر الذنوب ويستر العيوب جل وعلا ،وهو الغني عن عباده.
قال فبكى الناس جميعاً ،وخرج الشيخ من المرقص وخرج أكثرهم وراءه وكانت توبتهم على يده حتى صاحب المرقص تاب وندم على ما كان منه .
أخي المسلم ليس العار أن تخطئ ،ولكن العار أن تصرَّ على خطئك ،لذلك يفرق العلماء بين الأمي والجاهل ،فرقٌ كبير ،الأمي إنسان وعاؤه فارغ ،يقبل أيّ شيءٍ يوضع فيه ،فتعليم الأمي سهل جداً ،إنه إنسان وعاء نفسه فارغ يتقبل منك أي شيء.لكن الجاهل هو الذي امتلأ وعاؤه مغالطات وعلاقات غير صحيحة لا يؤكدها الواقع ،لذلك هناك مشقة كبيرة في إقناعه بالحق ،هو ينطلق من قواعد غير صحيحة ،من علاقات لا يؤكدها الواقع ،فالجاهل هو الذي يعلم ،ولكن لا يعمل بما يعلم ،أو هو الذي ينطوي على مفاهيم وعلاقات ومنطلقات خاطئة أو غير صحيحة .