قصة النمر فرحان
بعد سنين من الإنتظار رزق الله – تعالى – النمر بلهان بأول أولاده ، وقد سماه النمر فرحان .
كان النمر بلهان شديد الفرح بولده ، وكان يرفعه بيده ويقبله ويقول ضاحكًا : كم أنتظرتك أيها النمر الصغير .
جاءت الحيوانات تهنئ النمر بلهان بمولوده ، وكان النمر بلهان يستقبلهم بوجه مليء بالفرح والبشاشة .
قال الفيل : ما شعورك الآن يا نمر بلهان ؟
النمر بلهان:أشعر أن وحدتي قد إنتهت ، الآن وجدت من يؤنس وحدتي ، وجدت من ألعب معه وأحاوره .
الفيل: وغدًا يخرج معك للصيد ويعاونك فيه .
الصيد ! الصيد شقاء وتعب ، وأنا لا أريده أن يتعب ، سيأتيه طعامه اللذيذ إلى مكانه .
الفيل: أعرف أنه لن يخرج للصيد الآن ، أقصد أنه سوف يرافقك عندما يكبر .
النمر بلهان:لا الآن ولا غدا ، سوف يظل النمر فرحان مدللًا ، يأكل طعامًا سهلاً ، ويلعب وقتما يشاء ، وينام وقتما يشاء ، و ……
الفيل:ومن سوف يقدم له كل هذه الخدمات ؟
النمر بلهان: أنا طبعًا ، سوف أسهر عليه ما حييت . ثم قال بصوت متهدج : هذا ولدي النمر فرحان ، سوف يظل طوال عمره فرحان .
إبتسم الفيل وقال في نفسه : حسنًا ، يبدو أن حبه الشديد لولده قد أفقده عقله .
كان النمر بلهان يقوم مبكرًا إلى الصيد ، ويعود بفريسته مسرعًا إلى بيته قبل أن يستيقظ النمر الصغير ، فيعد له الطعام .وبدل أن يأخذ كفايته من النوم يستيقظ النمر فرحان فيجد طعامه جاهزًا فيأكل حتى يشبع ، ثم يخرج للعب .
وبالرغم من تعبه وإرهاقه من الصيد يخرج النمر بلهان ليرافق صغيره يراقبه ويحرسه أثناء اللعب .
كان بيت الفهد فهمان بجوار بيت النمر بلهان ,كان النمر فرحان يلعب مع الفهود الصغار أولاد الفهد فهمان .
وفي يوم تشاجر الصغار ، وبكى النمر فرحان ، حينئذٍ ثار النمر بلهان ثورة عارمة وإنقض على الفهود الصغار وكاد يفتك بهم .
إستغاثت الفهود الصغار بأبيهم الفهد فهمان فوجد منظرًا صاعقًا ، لقد كان النمر بلهان يعتدي بقسوة على صغاره ، انطلق الفهد فهمان لنجدة صغاره من قبضة النمر الأحمق ، ودارت بينهما معركة طاحنة كاد النمر بلهان أن يقتل فيها لولا تدخل الفيل .وبعد أن إنفضت المشاجرة قال الفيل : ماذا حدث يا نمر بلهان ؟
النمر بلهان: لقد إعتدى الفهود الصغار على ولدي النمر فرحان.
الفيل:ثم ماذا ؟
النمر بلهان:خرجت أدافع عن صغيري .
قال الفيل في غضب : يا نمر بلهان تعتدي على الصغار وتقول أنك تدافع عن ولدك . إن هؤلاء الصغار لهم عالمهم الخاص بهم ، فهم يلعبون ويتشاجرون ثم يعودون للعب بعد قليل فإذا تدخل الكبار أفسدوا العلاقة بينهم .
النمر بلهان: لم أتحمل بكاء ولدي النمر فرحان .
الفيل: لقد كدت تفقد حياتك بسبب تهورك يا نمر بلهان .
إشتهر النمر بلهان بتدخله في لعب الصغار واعتدائه أحيانًا عليهم أثناء لعبهم مع ولده النمر فرحان .أخذت الحيوانات تحذر صغارها من اللعب مع النمر فرحان خوفًا عليهم من تهور النمر بلهان .
وهكذا صار النمر فرحان وحيدًا لا يجد من يلعب معه من صغار الحيوانات ،فذهب إلى أبيه وقال : يا أبي لماذا لا تريد صغار الحيوانات أن تلعب معي ؟
النمر بلهان: لا عليك سوف ألعب أنا معك .
فرحان:ولكنك لا تستطيع اللعب والقفز مثل الصغار .
النمر بلهان:بل إني استطيع وسوف ترى .
صار النمر بلهان يلعب مع ابنه النمر فرحان ، ويحاول القفز معه ، ويقاوم التعب الشديد الذي يصيبه بعد رحلات الصيد الشاقة … وبعد بضعة أيام سقط النمر بلهان مغشيًا عليه من الإرهاق والتعب …
أخذ النمر فرحان يبكي ويستغيث بالحيوانات حتى جاءوا وحملوا والده إلى بيته وهو في حالة إعياء شديد ، ولعدة أيام لم يستطع والده بلهان أن يخرج للصيد ، فلم يجد النمر فرحان طعامه اللذيذ الذي تعود عليه ، ولأنه لم يكن يشارك الصغار اللعب فلم يستطع أن يأكل معهم .
فقال النمر فرحان لأبيه المريض : لا يوجد طعام عندنا ، سوف أخرج مع صغار الفهود للصيد ، فهم يخرجون مع أبيهم .
إنتفض النمر بلهان وقال بصوت ضعيف : لا تخرج معهم ، فأنت لا تعرف الصيد ، ثم إني أخشى عليك منهم .
لم يعرف النمر فرحان ماذا يفعل فجلس بجوار أبيه النمر بلهان يعانيان من الجوع ، ولا يجدون إلا طعامًا رديئًا من بقايا الحيوانات ، ولم يكن لهما أصدقاء يساعدونهما ، وأخذ المرض يشتد على النمر بلهان ، وبعد عدة أيام سقط ميتًا .
جلس النمر فرحان وحيدًا ، لا يجد طعامًا ولا أصدقاء ولا لعبًا، وبعد أيام قضاها في الحزن والجوع وقع النمر فرحان مريضا ، ولما لم يجد من يرعاه فاشتد عليه المرض ولحق بأبيه .
وقف الفيل والفهد فهمان أمام جثة النمر الصغير .
قال الفهد فهمان : انظر ما فعل النمر بلهان بنفسه وولده .
دمعت عينا الفيل وهو ينظر إلى الصغير الميت وقال : حقًّا ، لقد صدق القائل : ((ومن الحب ما قتل )) .
***
المؤلف/عبدالله محمد عبدالمعطي