قصة حمامة الغار
أنا حمامة بيضاء وديعة ، طيبة أطير وأرفرف ، وأهبط لألتقط الحب من ساحة الكعبة ، لا أخاف أحدًا ، ولا يخاف مني أحدًا ، وكنت في ذلك الصباح الجميل ، أطير فوق غار في الطريق بين مكة والمدينة ، كنت أبحث عن مكان أضع فيه البيض ، لكي أرقد عليه ويفقس وتخرج منه حمامتان صغيرتان ، ولقد رأيت هنا وهناك ثعابين كثيرة في ذلك الغار ، وكان يبدو أنها تنتظر شيئًا !
ولم أستطع أن أقترب منها ، لأنها إن أمسكت بي ستبتلعتني ، ووجدت عنكبوتًا رقيقًا ، فسألته : لماذا تجتمع كل هذه الثعابين ؟
قال : عندهم أوامر من الثعبان الكبير في مكة لكي يقطعوا الطريق على رجلين .
سألته: من هما؟
أجاب : لا أعرف ..وأنت يا حمامة تستطيعين الطيران إلى الأعلى ومعرفة السبب !
طرت وارتفعت في الجو ، وسافرت مسافة طويلة ، قبل أن أرى المهاجرين .
رأيت الرسول صلّ الله عليه وسلم ، ومعه أبوبكر الصديق ، وكان الحديث يدور بينهما عن مكان يستريحان فيه ويختفيان عن الكفار الذين يطاردوهما ، وفكرا في الغار فطرت أدلهما عليه وأحاول أن أنظفه على قدر ما أستطيع ، ورحت أنقض وأهجم على الحيات أنقرها ، فدخلت شقوقها وأبلغت العنكبوت بالأمر ، فأبدى سروره لاستقبال هذين الضيفين الكريمين ، وانتظرت وهو معي ، وكنا قلقين عندما تأخرا ، فقد خفنا عليهما من أهل مكة ، ولكنهما وصلا بخير ودخلا الغار .
وسدّ أبو بكر شقوق الحيات ، وبقى شق تمنيت أنا الحمامة لو أنني أسده بجسمي ، وفكرّ العنكبوت أن يغلقه بخيوطه ، لكن أبا بكر سده بقدمه وجلس من فوقه ، وكنت أطير هنا وهناك ، في قلق وخوف ،
وسألني العنكبوت : لماذا لا تهدئين ؟ ولماذا لا تبحثين عن مكان تضعين فيه البيض ؟
قلت : إني أخاف من أهل مكة ، أريد أن أرقب الطريق خشية أن يصلوا إلى الغار .
وظللت أطير نحو مكة ، وأقطع مسافة طويلة ، ثم أعود ورجعت آخر مرة خائفة أرتجف وأرتعش ، وأسرعت إلى العنكبوت أقول له ، تصور الأشرار قادمون ، لو رأوا محمدًا وصديقه ، لن يفلتا منهم ..ماذا نفعل ؟
سكت العنكبوت قليلاً يفكر ، ثم أجاب : سوف أنسج خيوطي عند الباب لأغلقه .
كدت أضحك لأنه يتصور أن خيوطه تغلق الباب ، ولكني ألبث أن أسرعت معه ، ورحت أنقل عشي ، وبيضي عند الباب ورقدت فوق البيت ، في نفس الوقت الذي جاء فيه الكفار ، وعند باب الغار وقفوا يتساءلون : هل دخل محمد وصاحبه الغار ؟
اربما .. لابد أنهما دخلا الغار !
يرد آخر: لا أظن ، إنه مكان مليء بالحيات والثعابين وتستمر المناقشة ، ندخل ، لاندخل ، ندخل ، لا ندخل ، وارتفع صوت ينقذنا مما نحن فيه ..
قال الصوت : كيف ندخل هذا الغار ولم يدخله أحد منذ وقت طويل ؟!
سألوه: كيف عرفت ؟
قال : انظروا هناك عنكبوت نسج خيوطه على الباب ، ولو كان أحد دخل لقطعت تلك الخيوط ، والحمامة راقدة في عشها على بيضها ، ولو كان أحد مرّ من هنا لطارت الحمامة وانكسر البيض ، إنّ أحدا لم يدخل هذا الغار منذ زمن طويل !.
قالوا له : صدقت ..لم يدخل أحد هذا الغار من زمن بعيد.
وبدأت أقدامهم تخطو بعيدًا عن الغار ، وابتعدت وابتعدت .. وكلما بعدت وقع أقدامهم شعرت أنا والعنكبوت نشعر براحة كبيرة ، وما إن غابوا عن الأنظار حتى طرت أصفق بجناحي فرحًا ، وراح العنكبوت يرقص طربًا ، وسط خيوطه ، واستيقظ صلّ الله عليه وسلم ، ليضع يده الكريمة مكان لدغة الحية في قدم أبي بكر الصديق ، فيشفى فتزداد فرحتنا ، أنا والعنكبوت !
وبعد أن استراح النبي وأبي بكر ، قاما لكي يواصلا رحلتمها ، وطرت أنا الحمامة من فوقهما لمسافة طويلة وأنا أرفرف بجناحي ، وأقول لهما من قلبي : مع السلامة.
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) صدق الله العظيم .